مع انطلاق الجولة الحالية من محادثات “جنيف 3″ بات من الواضح سعي فريق من افرقة المعارضة السورية للتعطيل المفاوضات عبر تبني لغة تصعيدية لم تكن حاضرة بهذه الصورة في جولة المفاوضات الماضية.
الفارق بين طبيعة تعاطي الجميع مع معطيات جولة الحوار الماضية و الحالية يشير ان محاولات التعطيل الحالية مرتبطة تماماً برغبة في تعديل موازين القوة عبر العودة الى التصعيدد العسكري على الارض في سوريا، هذا ما يفسر تصريحات افتتحاح المفاوضات التي ادلى بها قائد جيش الاسلام محمد علوش حول خيارات المواجهة العسكرية و العودة الى التصعيد العسكري.
تزامن هذه التصريحات و التصرفات يأتي مع تزايد الحديث عن عمليات ادخال سلاح نوعي و بكميات كبيرة الى الفصائل المعارضة الامر الذي يمكن تفسيره ان التعطيل الحالي هو عملية ايقاف للحوار السياسي و اعطاء مساحة للظهور العسكري لفصائل المعارضة على امل ان ينعكس هذا التصعيد على مسار المفاوضات بطريقة تعزز وجهة نظر فصائل المعارضة التي شعرت في الجولة السابقة ان المناخ الدولي لم يعد مواتياً لاحتضان جزء كبير من وجهات نظرها خصوصاً في موضوع خروج الاسد الفوري من السلطة. لكن مع تشكل مناخ اقليمي ساعي لاحداث تغيير في معادلة الحل السياسي عبر التصعيد العسكري فان تعطيل المفاوضات و السعي لتحقيق انجازات عسكرية على الارض تصبح اولوية هذا الفريق من المعارضة و الذي يتناغم طرحه مع المناخات الاقليمية المتشكلة في المنطقة.
لكن بالرغم من ان محددات العمل العسكري في سوريا اصبحت واضحة بالنسبة للجميع فهي موجهة حصرياً لمواجهة الارهاب “داعش و جبهة النصرة” الا ان فصائل المعارضة المدعومة اقليمياً تسعى في المقام الاول لكسر حصرية الجيش السوري في مواجهة الارهاب و احداث تغيير جذري في معادلة السيطرة على بعض المناطق الامر الذي يعني فعلياً انها تتحول الي شريك في الحل السياسي فالانجاز العسكري المفترض يسعى لاعطاء شرعية وجود لهذه الفصائل اولاً و يُمكنها من “تكييش” ما تقوم به على الارض سياسياً في جنيف، فتتحول من احد اطراف المعارضة الى الطرف الوحيد المؤثر في المعارضة. لكن هذا لا ينفي احتمالية الصدام مع الجيش السوري في اطار فرض السيطرة على مناطق جغرافية معينة مما يضع مسألة الهدنة امام تحديات السقوط، لكن تبقى هذه الاحتمالية في هذه المرحلة قليلة نظراً ان الثوابت التي تم التوافق عليها دولياً تشمل الحفاظ على المؤسسة العسكرية السورية و مؤسسات الدولة السورية مما يعني ان التعطيل الحاصل في جنيف هو جزء من استراتيجية تغيير موازين القوى القائلة بان تغيير المعادلة في جنيف يكون عبر التصعيد العسكري في سوريا.
من المهم الاشارة ان نتائج تعطيل الحل السياسي في جنيف لم تعد مقتصرة على سوريا و داخلها بل على الدول المحيطة أيضاً مثل الاردن و لبنان، فاجتماعات “جنيف ٣” ربما تأخذ قديباً بعداً اكبر من البعد السوري السوري لتشمل بعداً اقليمياً، لهذا فان اي تصعيد على الارض في سوريا هو تصعيد ستكون ارتدادته على مجمل المنطقة.
د.عامر السبايلة