مع تصاعد الاستعدادات الدولية للتعاطي مع معركة اجتثاث داعش من معاقلها الاساسية في الرقة و الموصل تصر الولايات المتحدة على التفرد في ادارة هذه المعركة و تجيير اي انتصار قادم لنفسها، و هذا بلاشك احد اهم الاهداف التي تسعى الادارة الامريكية لتحقيقها مع نهاية عهد الرئيس أوباما و اقتراب خروجه من البيت الابيض.
لكن يبقى السؤال الابرز هل اجتثاث داعش من معاقلها يعني نهاية التنظيم؟ و هل المجتمع الدولي معني بانهاء داعش او انهاء حالة التفريخ المستمر للتنظيمات و الخلايا الارهابية؟
الحقيقة ان كافة المعطيات تشير ان اي معركة قادمة مع داعش قد تكون قادرة على انهاء الوجود الهيكلي للتنظيم لكنها بلاشك قد تنقل الجميع الى مرحلة أصعب في المواجهة مع تنظيمات جديدة مما يمكن الاصطلاح على تعرفته ب "تنظيم داعش ٢".
ان اهم ما يجب التوقف عنده اليوم في اطار مواجهة التنظيمات الارهابية هو نقطة اعلان الخلافة من قبل تنظيم داعش و التي أوصلت المواجهة مع كافة التنظيمات الى نقطة لا يمكن العودة عنها مستقبلا حتى في حال ولادة اي تنظيم جديد. فاي تنظيم قادم سيجد نفسه في مقام الوريث للخلافة و بالتالي فان التحديات الامنية القادمة في حال زوال او بقاء داعش تبقى تحديات ذات طابع كوني و تهديدات تطال كافة الاماكن و مفاصل الحياة دون استثناء، لا بل ان اي ولادة لاي تنظيم جديد قد تسجل انطلاق مرحلة جديدة من التوحش و محاولات التفوق في أشكال الترهيب و الرعب على ما قام به تنظيم داعش الى الان.
ان اعلان الخلافة من قبل داعش كان اقرب في صورته الى الاعلان عن معركة "ارمجدون" اي معركة المواجهة النهائية التي تسكن صورتها و تخيلاتها في مخيلة الكثيرين من معركة الشام و مرج دابق، الى فتح القسطنطينية و روما. لهذا فان استراتيجية اعلان الخلافة عملت على تحويل الكثيرين الى ادوات يتم استخدامها مباشرة او توظيفها عن بعد لخدمة داعش من المنتمين الى الجماعات الارهابية، و كثير من المتشددين و حتى اولئك الذين يعانون من مشاكل اقتصادية، اجتماعية، سياسية و حتى نفسية كل اولئك تم تحويلهم الى قنابل موقوته قابلة للانفجار في كل مكان في اطار المعركة النهائية، معركة انتصار الخلافة.
ان استراتيجية اعلان الخلافة من قبل داعش فتحت باب "الحجيج للتنظيم" ووضعت كذلك الانظمة التي تصر على ترسيخ وجودها عبر بوابة الشرعية الدينية في أزمة وجودية عنوانها " الحفاظ على الشرعية" من زاوية الصراع على من يمثل الاسلام مما جعل المعركة الفكرية التي تقودها كثير من الانظمة هي معركة الصراع على الماضي و السيطرة على الموروث الديني.
المعركة اليوم هي معركة تجديد و تغيير، معركة ثقافية و قيمية، و ان اصرار الكثيرين على التعامل معها من باب التوظيف السياسي يعني باختصار ان لا حلول حقيقية ستقدم لمواجهة اسباب و روافد هذه الافكار مما يعني ان المرحلة القادمة هي مرحلة صراع جديد مع واجهة متطورة للتنظيمات الارهابية اي نسخة محدثة لداعش "داعش ٢".
د.عامر السبايلة