الملف الفلسطيني يعود الى واجهة الاهتمام العربي بعد ان غاب لعدة سنوات. فجأة يتصدر المشهد الفلسطيني اجندة كثير من الدول، و تصبح مسألة وحدة فتح اولوية ملحة تسخر لها الامكانيات و تعقد من اجلها الاجتماعات و تمارس من اجلها كافة انواع الضغوطات.
السؤال الابرز لماذا حصل هذا الاهتمام المفاجئ و لماذا تبدو بعض الدول و كأنها استيقظت على كابوس مرعب و تضطرمرغمةً لمواجهته.
خلال السنوات الاخيرة او منذ اندلاع ما يسمى "الربيع العربي" تشكل في المنطقة محورين تنافسا على قيادة الملف الفلسطيني، قطري تركي حمساوي، اردني مصري اماراتي و سعودي. تسوية القضية الفلسطينية كانت جزء اساسي من صراع المحورين و محاولات تعديل مبادرة السلام العربية كانت احدى نقاط الصراع الذي بدأ اليوم يصل الى نقطة حاسمة.
في الاسابيع الاخيرة تم رصد حراك مصري الاردني سعودي مكثف على صعيد الزيارات السرية و المعلنة من اجل تنسيق المواقف بين هذه الدول و السلطة الفلسطينية. هذا الحراك يأتي على خلفية دخول المشهد الفلسطيني الى نقطة حاسمة و تتسم مطالبه الاساسية بضرورة انهاء الاختلاف الفتحاوي و تأجيل الانتخابات البلدية. يستغرب كثير من المراقبين اصرار الرئيس الفلسطيني على الدعوة الى انتخابات بلدية برغم معارضة الكثيرين من مناصريه من حركة فتح نظراً لخطورة ان تسلم الانتخابات عملياً بلديات الضفة الغربية لحركة حماس. الامر الذي يتزامن مع اقتراب انتقال الاتفاق التركي الاسرائيلي الى نقطة التطبيق خصوصاً فيما يتعلق بقطاع غزة و الدور التركي في التطوير و اعادة الاعمار.
ضمن معادلة الربح و الخسارة، يفرض الواقع الجديد حضوراً اكبر لحركة حماس في الضفة الغربية عبر بوابة البلديات و لكنها بلاشك جزء من عملية التأسيس للواقع السياسي الجديد مستقبلاً. هذا التغير يعني ايضاً تفرد تركيا بدور اللاعب الابرز و الاهم في المعادلة الفلسطينية يعني احتمالية ان تدفع كثير من الدول المنخرطة بصورة مباشرة او غير مباشرة في الملف الفلسطيني تمناً باهظاً سواء على صعيد الخروج الكامل من المشهد الفلسطيني او تحمل نتائج التسويات القادمة.
لا يمكن قراءة تفعيل عمل الرباعية في هذه المرحلة و الضغوط الممارسة على الرئيس الفلسطيني الا من زواية المحاولات التي تبذلها الدول العربية الاربعة للتعامل مع معطيات الوضع الفلسطيني و تطوراته على الارض.
المد التركي يبدو انه وصل الى مراحل متقدمة في الداخل الفلسطيني و لا يقتصر على جزئية التعاون مع حماس او الالتزام بحدود غزة. المد التركي لن يقتصر عند حدود العلاقة السياسية بل قد يمتد ليشمل الرمزية الدينية و مسألة الوصاية على المقدسات، في الوقت الذي تنحسر فيه قوة و قدرة كثير من الدول على التأثير على الداخل الفلسطيني.
المرحلة القادمة قد تشهد تعمقاً لشكل الصراع على الملف الفلسطيني خصوصاً ان ايجاد صيغة من التفاهمات بين المحورين المتنافسين في هذه المرحلة يبدو مستحيلاً، مما يعني ان حدة التنافس في طريقها لازدياد و قد تأخذ اشكالاً متعددة.
د.عامر السبايلة
amersabaileh@yahoo.com