في الايام الاخيرة، اتجهت بوصلة التصعيد في المنطقة باتجاه لبنان، خصوصا مع استقالة رئيس الوزاء اللبناني سعد الحريري و حيثياتها الغريبة. هذه الاستقالة التي أراد لها البعض ان تكون بمثابة اعلان بدء مرحلة التصعيد في لبنان و بالتحديد استهداف حزب الله.
بالرغم من ان حزب الله هو الهدف المباشر لهذا التصعيد الا ان ما يجري فعلياً هو جزء من خطة امريكية تستهدف ايران و تتمحور في فكرة عزل ايران و اثقالها بالضغوط الامر الذي دفع واشنطن لتجريك حلفاءها ضمن هذه الرؤية التصعيدية.
الضغوط التي يتعرض لها حزب الله تعتبر ضغوطاً متوقعة في المفهوم الاستراتيجي لدى الحزب، حيث يدرك الحزب منذ البداية المعادلة القائلة بأنه كلما اقتربت الازمة السورية من النهاية كلما زادت احتمالية تعرض الحزب لضغوط تصل حد المواجهة.
على كل الاحوال، هذه ليست المرة الاولى التي يتعرض الحزب لتصعيد من هذا النوع، ففي العام ٢٠٠٥ كان اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري بمثابة صاعق التفجير الذي ادى الى خروج القوات السورية من لبنان و ادى فعلياً الى حرب تموز ٢٠٠٦.
بالعودة الى حيثيات تلك المرحلة يتضح ان فاعلية ادوات مواجهة النفوذ الايراني في المنطقة و حزب الله بالتحديد كانت اقوى بكثير مما هي عليه اليوم. فقبل اكثر من ١٤ عاماً كان النفوذ الايراني في المنطقة اضعف – بلاشك- مما هو عليه اليوم، يضاف الى ذلك وجود ادارة امريكية اكثر قوة و تناغماً و قادرة على تشكيل تحالفات تخوض حروباً بعيداً عن اي مظلة دولية، مع ذلك باء المشروع بالفشل، لا بل ان معظم هذه الخطط ادت على الصعيد العملي الى ظهور نتائج معاكسة تماماً لكافة المخططات النظرية.
التصعيد الاخير هونتاج لخطة امريكية تقودها المخابرات الامريكية و هو ما ألمح له الرئيس الامريكي ترامب في خطابه الاخير ضمن اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة.
تتميز هذه الخطة بتبنى نفس التوجهات و الادبيات التي ظهرت ابان حكم ادارة جورج بوش الابن، لكن الفروق التي تظهر اليوم بعد اكثر من ١٤ عاما على تلك الحقبة متعددة أهمها، أن ايران أصبحت اكثر قوة و نفوذ و تأثيراً في المنطقة. كذلك فالازمة السورية قادت لظهور موسكو كلاعب رئيسي و اساسي في المنطقة لا يمكن اسقاطه او عدم الاكتراث لسياساته..
أما حزب الله، فهو ليس في موقع الضعيف كما تسوق بعض الروايات السطحية التي تفترض ان الازمة السورية اضعفت الحزب لدرجة يجب ان تدفع اعداءه لاستغلال هذه الوضع بسرعة.
نعم حزب الله يعاني من مشاكل متعددة على كافة الصعد، الاقتصادية و الجتماعية و حتى اللوجستية، لكن يجب ان ندرك ايضاً ان الازمة السورية كانت بمثابة تحول جذري للحزب الذي انتقل من كونه حزب لبناني محلي الى لاعب اقليمي يملك استراتيجية تتجاوز الحدود الجغرافية اللبنانية، و هو الامر الذي يدفع البعض لتبني الرؤية الساعية الى ضرورة التحرك و توجيه ضربة للحزب تعيده الى اطار الدائرة المسيطر عليها امنياَ و عسكرياً.
لقد اوقعت الولايات المتحدة في السنوات الاخيرة عقوبات متعددة على الحزب، و هذه السياسة لم تقتصر على العقوبات المالية بل تجاوزتها لمحاولات الحد من حرية الحركة لدى الحزب في اماكن متعددة بما فيها امريكا الجنوبية. لكن ووفقاً لكثير من التقارير الامنية، فان الحزب طور آلية التعاطي مع هذه الضغوط ليثبت فعلياً انه خصم عنيد من المستحيل اجتثاثه بسهولة. فعلى سبيل المثال، الحرب الاستخبارية المستمرة بين اسرائيل و حزب الله اثبتتت ايضاً ان القلق الاسرائيلي الرئيسي يتمحور حول تطور القدرة التقنية او اللوجستية و التكنولوجية لدى الحزب الذي تعرض بلاشك على مدار السنوات الاخيرة الماضية الى ضربات قوية لكنها لا تصل لحد الاضعاف الذي يهيأ للحرب.
اما فيما يتعلق في حرب المواجهة فان الحزب يدرك ان المواجهة قادمة لا محالة، خصوصاً ضمن المعادلة الطردية مع الازمة السورية، لهذا فان التعبئة المعنوية للحزب مبنية على فكرة التهيئة للمعركة المنتظرة الحاسمة التي تشبه فكرة “الارماجدون.”
من السهل على الولايات المتحدة ان تطلق استراتيجية مضادة لايران، و تعمل مع حلفائها على عزل ايران لكن لابد من التذكير هنا ان اي استراتيجية من هذا النوع لابد ان تكون استراتيجية طويلة الامد و خارطة طريق واضحة المعالم و هو الامر الذي لايبدو حاضراً في الرؤية الامريكية، مما يعني اننا قد لا نتفاجأ ان جاءت نتائج التحرك الامريكي معاكسة للطروحات و الاهداف، عداك ان تجربة التعاطي مع الادارات الامريكية في السنوات الاخيرة لا تزال شاهدة كنتائج واضحة في العراق و لبنان و سوريا.
لهذاقد يكون من المهم ان يعيد حلفاء الولايات المتحدة تقييم فكرة الصراع المباشر المدعوم امريكياً، فالتداعيات السلبية لن تواجهها الولايات المتحدة بقدر ما تواجهها دول المنطقة، و لنتذكر انه من السهل ان تفتح ازمات جديدة لكن من الصعب جداً ان تغلق بعدها.
د.عامر السبايلة