قراءة في احداث عملية “الفحيص-السلط”
من الطبيعي ان يجد الاردن نفسه اليوم في مواجهة تداعيات مرحلة ما بعد تنظيم داعش. تتميز المرحلة الحالية بانتقال افراد التنظيم و اتباعهم للعمل بطريقة “لا مركزية” و بتطبيق اسلوب غير معقد في تخطيط و تنفيذ العمليات، الامر الذي يعطي أفراد هذه التنظيمات قدرة كبيرة على الضرب و احداث الضرر.
اللافت في عملية الفحيص وما تلاها من تداعيات ادت الى المواجهات في مدينة السلط، تشير الى اصرار الارهابيين على اختزال المواجهة في هذه المرحلة مع اجهزة الامن. فالعبوة المزروعة في الفحيص لم تستهدف مدنيين بالرغم من وجود اعداد كبيرة مشاركة في مهرجان الفحيص، بل اصرت على ارسال رسالة واضحة ان خصم و هدف الارهاب في هذه المرحلة هي اجهزة الامن.
من زاوية تحليلية، يشير هذا التوجه الى وجود قرار داخلي عند افراد هذه التنظيمات بان يكون عنوان المواجهة امنياً و ليس مدنياً، مما يضع افراد اجهزة الامن في مواجهة مباشرة مع هذا النمط من الارهاب الذي ظهر بوضوح في دول أخرى استهدفت فيها اجهزة الامن عبر اطلاق مباشر للرصاص على افرادها، او القاء عبوات متفجرة او حتى محاولات الدهس. لكن لابد من الاشارة ايضاً ان هذا التكتيك قد لايمنع في مراحل قادمة الانتقال الى ضرب اهداف مدنية.
الجزء الثاني الذي لابد من التعاطي معه بجدية يرتبط بموضوع طبيعة الرد الارهابي في مواجهة اجهزة الامن. الحقيقة ان القراءة المنطقية لاحداث السلط تشير الى فعالية عالية لدى دائرة مكافحة الارهاب في المخابرات الاردنية، التي استطاعت قراءة حيثيات العملية في الفحيص و تحديد القائمين عليها و نقطة تواجدهم بصورة سريعة جداً.
لكن التحول الجديد في طبيعة التعاطي الارهابي مع هذه المواجهة يعلن فعلياً بداية مرحلة جديدة في المواجهة مع الارهاب. فعملية تفجير الارهابي لنفسه، او تدمير مبنى بهذه الطريقة يشير ان الدولة اليوم في مواجهة مع نموذج لم تخبره بعد، فالمداهمات لم تقتصر على تبادل اطلاق النار، بل على استعداد لدى الارهابيين لاحداث ضرر و اذى غير مسبوق. هذا التحول يستدعي ايضاً التحول في طبيعة التعاطي الامني في مثل هذه المداهمات، سواء في عمليات التخطيط او اجراءات الغلق الامني و الاقتحام، و هنا لا يمكن العبور على مسألة استشهاد قائد قوة المداهمة في العمليات الثلاثة الاخيرة دون مراجعة حقيقية. ان الانجاز الاستخباري لابد ان يتوج بانجاز عملياتي يمنع وقوع ضحايا في الاجهزة الامنية مستقبلاً، خصوصاً ان مثل هذه المعلومات قد تتكرر بشكل كبير مما يزيد من فرضية و احتماليات المواجهة المستمرة مع مثل هذه الخلايا ضمن ظروف و اماكن قد تكون اكثر تعقيداً و اكثر كثافة سكانية.
طبيعة التعاطي الاعلامي مع الاحداث هو احد اهم عوامل النجاح في انجاز العمليات. فالاردنيون يختبرون احداثاً جديدة على ساحتهم، تتحول تدريجياً لتصبح اموراً لابد من التعامل معها بحرفية اعلامية، سواء في عملية توزيع المعلومة، و استباق نشرها، او حتى في صياغة الرواية المنطقية للاحداث. ان سياسة منع النشر قد لا تكون مجدية في ظل امتلاك كل فرد لمنصته وجهازه الخاص مما يتطلب التفكير جدياً في كيفية الاستفادة من الاغلبية في صياغة رواية الدولة و حشد الاردنيين خلف اجهزتهم في معركتهم التي قد لا تكون قصيرة. التواصل مع الاعلام بطريقة مهنية و وضع خطة عمل واضحة المعالم في كيفية قيادة المشهد الاعلامي هي احد الابجديات التي لابد من تطبيقها بصورة سريعة من اجل تطمين الراي العام، و ضمان تجاوبه الايجابي. آخذين بعين الاعتبار ان شعور الاردنيين في طبيعتهم هو شعور مساند لاجهزة الدولة و داعم حقيقي لهذه الاجهزة في اوقات الخطر.
د.عامر السبايلة