قد يكون مؤتمر وارسو الذي تنظمه الولايات المتحدة في ١٣ فبراير الحالي العنوان الابرز المرتبط بالسياسة الشرق اوسطية في هذه المرحلة. المؤتمر أشبه باعلان الانتقال الى الواقع التطبيقي لرؤية الادارة الامريكية في بعض ملفات الشرق الاوسط.
ايران، ودون أدنى شك، هي الحاضر الابرز على اجندة المؤتمر مما يعني ان طهران قد تكون على موعد مع بداية المرحلة الثانية من الضغوطات ذات الطابع السياسي والدبلوماسي بعد أن اتمت واشنطن مرحلة تطبيق العقوبات الاقتصادية.
الاستراتيجية الامريكية تضع المنطقة امام مرحلة جديدة من التصعيد الاقليمي خصوصاً ان التحرك الامريكي بدأ برمزية الاشارة ان واشنطن ترغب بالتحرك في المنطقة عبر تركيبة سياسية من الدول الحليفة وهو الامر الذي ظهر جلياً في رمزية الجولة المكوكية التي قام بها وزير الخارجية الامريكي في شهر يناير الماضي مروجاً للرؤية الامريكية وداعيا دول المحور الامريكي للانخراط المباشر في تطبيق استراتيجية واشنطن.
يتزامن التحرك الامريكي المباشر ضد إيران مع اعادة ترتيب اوراق المنطقة، من بدأ انحسار الازمة السورية الى الاعتقاد بضرورة طرح حل عملي للقضية الفلسطينية مع اقتراب دخول السنة الاخيرة للادارة الامريكية.
على المستوى السياسي، ظهرت بوادر التحرك التكتيكي تجاه احتواء النفوذ الايراني في سوريا والعراق بصورة براغماتية تشير منطقياً الى ضرورة كسر حالة العزلة التي تم فرضها في السنوات الماضية على البلدين والتي ادت الى حصول ايران على مواقع متقدمة وتعزيز نفوذها السياسي. اذاً ان استراتيجية احتواء النفوذ الايراني في سوريا والعراق تتطلب خلق واقع سياسي موازي يحد من حصرية النفوذ الايراني ويعمل على تفتيت هذا النفوذ عبر خلق تركيبات جديدة وفتح قنوات مباشرة لدول أخرى قادرة على المساهمة في الجوانب الاقتصادية واعادة الاعمار، وقد بدأت معالم هذا التوجه بالظهور تجاه العراق وبصورة اقل تجاه سوريا.
عند الحديث عن سوريا والعراق فمن الطبيعي ان تضع الجغرافيا بلداً كالاردن على خارطة الاهتمام في وقت تقف فيه عمان امام تحديات مواجهة الواقع الصعب الذي يتشكل ظاهرياً على صورة أزمة اقتصادية مركبة.
لكن النظرة الاعمق للتركيبة الاردنية تُظهر بوضوح ان الازمة في جوهرها هي نتاج طبيعي لازمة سياسية معمقة، تحتاج لوقفة جادة ومراجعة بنيوية شاملة لشكل الدولة وطبيعة عملها على الصعيدين الداخلي والخارجي. مثل هذا التحرك يحتاج الى جرأة غير تقليدية قد تكون غائبة تماماً في الحقبة الاخيرة، خصوصاً ان معظم من يتسيد مفاصل القرار يُصر تسطيح المسائل وعبر تبني وتسويق روايات نظرية المؤامرة وصياغتها بصورة تُظهرها على انها السبب الرئيس في المشاكل الاقتصادية.
ضمن مشهد التحولات الاقليمية تقدم الظروف فرصة مهمة للاردن لابد من استغلالها والسعي لخلق واقع جديد بعيداً عن سياسات الاعتماد الكامل على المساعدات والمنح والقروض، وضرورة الاهتمام بملف التنمية والانتاج كأساس للانتقال الى الاعتماد على الذات بعد سنوات طويلة من التهشيم والتخبط عاشتها السياسة الاردنية وظهرت نتائجها بوضوح على الوضع الداخلي.
يعتقد البعض ان بوابة التغيير هذه تكون عبر اعادة تفعيل العلاقات الاقليمية خصوصاً العلاقة مع سوريا والعراق، وقد تكون هذه نظرة صائبة تأتي في سياق تطبيق استراتيجية “تفعيل الجغرافيا” لكن لابد من التذكير انه من الصعب التعويل على فعالية هذه الاستراتيجية دون النجاح في بناء علاقات سياسية متوازنة مع جميع الاطراف يكون اساسها المنفعة المشتركة.
التحرك الاردني نحو العراق والسعي الخجول نحو سوريا يمثل عاملاً ايحابياً في اطار السعي نحو تثبيت المصالح الاردنية لكنه يقتضي بناء استراتيجية طويلة الامد للامن القومي، حيث لا تقتصر فقط على العلاقة مع سوريا والعراق بل ايضاًعلى ملفات أخرى مهمة مرتبطة بالشراكات الحدودية وانعماسها على الامن القومي الاردني، مثل العلاقة مع السعودية، والملف الشائك الذي يظهر بقوة مؤخراً وهو العلاقة مع اسرائيل، حيث تظهر فيها معالم الندية والعداء بالرغم من وجود اتفاقية سلام واتفاقية للتنسيق الامني بين الطرفين.
الاردن بحاجة الى قراءة متأنية لطبيعة التحولات القادمة واستراتيجية امنية سياسية تواجه خطر تشكل تحالفات تُسقط المصالح الاردنية وتتجاوز جغرافيته، خصوصاً ان هواجس الحل الفلسطيني ستُبقى على الاردن في دائرة الاستهداف المباشر كخاصرة رخوة للحل، على الاقل في صيغته العملية المرتبطة بالديمغرافيا.
د.عامر السبايلة