يشير الحراك الامريكي النشط هذه الايام ان واشنطن بدأت تستعد لفرض رؤيتها في التسوية الاقليمية للشرق الاوسط ومن بوابتها الابرز: “المسألة الفلسطينية.”
منذ اليوم الاول لوصول ادارة ترامب الى الحكم بدأت التسريبات والاشاعات تجتاح الشرق الاوسط تحت عنوان:”صفقة القرن.”
جاء اعلان نقل السفارة الامريكية الى القدس كاول الاشارات التي اظهرت معالم الرؤية الامركية الجديدة واستراتيجيتها في تحريك السلام الجامد. قد يكون القرارنتاج لقناعة أمريكية تؤمن ان آليات الرفض والغضب في العالم العربي تفتقد للقدرة على التأثير، خصوصاً مع تهشم مفهوم النضال العربي تجاه القضية الفلسطينية.
شكل عنوان ” توسيع دائرة السلام” عنوان المرحلة الثانية من فرض الرؤية الامريكية للتسوية، باعتبار ان السلام الاهم مع العرب وليس مع الفلسطينيين. رواية نتنياهو هذه المتعلقة بالسلام الاكبر الذي تحتاجه اسرائيل والذي يقلل من أهمية الحل مع الفلسطينيين، ويجعله حل ضمني عبرالبوابة العربية الاكبر تبنته واشنطن بصورة كاملة، وعبرت عنه الزيارة الاولى للرئيس الامريكي الى الشرق الاوسط، والكلمات الشهيرة التي استقبل بها نتيناهو ترامب في تل ابيب، حين قال انه يتطلع للحظة التي تسير بها الطائرة القادمة من الرياض بنفس المسار لكن وفي الاتجاه المعاكس في اشارة الى الرغبة الاسرائيلية في الانفتاح على السعودية والدول العربية.
اليوم وبعد الزيارة الشهيرة لنتنياهو الى عُمان والظهور الابرز في مؤتمر وارسو الي جانب مسؤوليين عرب فاننا على اعتاب مرحلة التركيز الامريكي على احياء عملية السلام والتسوية الاقليمية عبر “الباب الاوسع للسلام.”
قد يكون لقاء وارسو الخطوة التحضيرية الابرز لما تسعى الادارة الامريكية لفرضه بعيد الانتخابات الاسرائيلية القادمة والذي يتزامن مع بدأ العد التنازلي للوصول للسنة الاخيرة لادارة ترامب. يؤمن البعض ان الضغط الامريكي على ايران -والذي يعني ضمناً الضغط على حزب الله واخراج سوريا من معادلة المواجهة بعد اكثر من ثمانية سنوات على الازمة- يعطي واشنطن مساحة اوسع لمحاولة فرض رؤيتها السياسية، خصوصاً ان مسألة انجاز السلام في النهاية لا يشكل محطة خلاف كبير بين واشنطن وموسكو، وهذا ما يفسر سعي موسكو لتجذير وجودها في المنطقة عبر محاولة لعب دور اساسي في التسوية الاقليمية الامر الذي يتوافق مع الدخول الروسي القوي الى ملف التسوية الفلسطينية مؤخراً ويتزامن مع تعاظم جهود البحث عن بديل للرئيس الفلسطيني محمود عباس.
لابد لاي حديث عن أي تسوية فلسطينية أن يقود الى الاردن المرتبط عضوياً وجغرافياً في اي شكل من اشكال التسوية القادمة. لهذا من الخطأ الاعتقاد ان سياسة شراء الوقت والتعويل على خروج الادارة الامريكية من البيت الابيض او عدم عودة نتنياهو لرئاسة الوزراء في اسرائيل يمكن ان يجنب الاردن مواجهة الواقع الاقليمي الجديد. الحقيقة أن الاردن الذي بات يواجه كافة اشكال ازماته الداخلية قد يدفع الثمن الاكبر، خصوصاً ان عمان تتبنى اليوم أكثر المواقف غرابة وفقاً لكثير من المراقبين. ففي الوقت الذي تجمع الاردن باسرائيل اتفاقية سلام واتفاقيات التنسيق الامني يظهر الاردن على انه أكثر البلدان عداوةً لاسرائيل والاكثر رفضاً للرؤية الامريكية للسلام.
من وجهة نظر سياسية بعيدة عن البروباغندا الشعبوية، من الصعب تسويق السياسة الاردنية على انها سياسة رافضة للرؤية الامريكية، فابجديات القبول المنطقي لمثل هذا الطرح كانت تستدعي انجاز تحول سياسي ينتقل بالاردن الى علاقة أكثر قرباً مع المحور الرافض للسياسات الامريكية، او على الاقل عن طريق النجاح في بناء علاقة عضوية أكثر رسوخاً مع موسكو بعيداً عن الكليشيهات المتكررة التي يعرفها الجميع حول التنسيق والتشاور.
لهذا فان الخطر الابرز هو ان يجد الاردن -المعتمد كلياً على الولايات المتحدة- نفسه خارج محوره الدولي والاقليمي الامر الذي يمكن توصيفه على أنه شكل من أشكال الانتحار السياسي.
الجغرافيا الاردنية تجعل من عمان لاعباً مهماً وأساسياً ولكن في الوقت الذي تشكل فيه هذه الجغرافيا أهمية فائقة يمكن ان يشكل انقلاب الجغرافيا خطراً كبيراً على الاردن وامنه الوطني، خصوصاً مع تعمق الازمة الاقتصادية وحالة العزلة التي باتت معالمها ظاهرة للجميع. الاردن بحاجة لمهارات دبلوماسية غير تقليدية ونهج سياسي براغماتي يبقي على اهمية الاردن لدى الجميع دون استثناء.
د.عامر السبايلة