مع بدأ التصريح عن معالم الرؤية الامريكية للتسوية الاقليمية، يظهر اسم صهر الرئيس الامريكي ترامب جاريد كوشنير على انه عراب المشروع والمالك الفعلي لمفاتيح المنطقة.
حمل مؤتمر وارسو في رمزيته صيغة رسمية لتسويق معالم المشروع الامريكي في الشرق الاوسط. بعض معالم هذا المشروع تم الاشارة لها خلف ابواب وارسو المغلقة لكن خطوطها العامة بدأت بالظهور مع انعقاد مؤتمر القمة العربية الاوروبية في شرم الشيخ.
التسوية الاقليمية وفقاً للرؤية الامريكية تنظر الى الرياض على أنها الشريك الاقليمي الابرز القادر على ترجمة الرؤى النظرية للتسوية الى خطوات عملية على الارض.
لكن قبل الافراط في جرعات التفاؤل لابد من الاجابة على كثير من الاسئلة المشروعة، خصوصاً ان رؤية التسوية الامريكية هذه ليست الاولى ولا يبدو انها الاخيرة. أهمية عراب التسوية كوشنير في داخل الادارة الامريكية ترتبط فعلياً بالرئيس ترامب، فالبعض يعتبر أن كوشنير لايمثل اي اتجاه ايديولجي حقيقي في داخل الادارة بل على العكس تماماً يمثل حالة طارئة لا يتجاوز مدة صلاحيتها القادمة عاماً ونصف في حال لم ينجح ترامب في الوصول الى البيت الابيض مجدداً لدورة رئاسية ثانية.
في المقابل قد تكون الوصفة الشخصية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان الوصفة اللازمة والمناسبة لاحداث تغيير في المنطقة عبر البوابة السعودية. الامير المسكون برغبة الوصول الى سدة الحكم، يتمتع بخصائل تميزه عن اقرانه ومنافسيه من قوة الشخصية الى القدرة على فرض التغيير وجرأة مواجهة الجميع. لكن ضمن معادلة التغيير في المنطقة، لا يمكن اسقاط الواقع القائل ان محمد بن سلمان ليس شريكاً للولايات المتحدة بل شريك طرف واحد في داخل الادارة الامريكية، وهو فعلياً الطرف المرتبط بالرئيس ترامب الذي قد يكون دخل في نفق الخروج من السلطة.
وفقاً لبعض المصادر في واشنطن فان العاصمة الامريكية تشهد تحركاً حقيقياً من أطراف فاعلة في الحزب الديمقراطي الامريكي لاعادة تفعيل بوابة الكونغرس للضغط على الامير السعودي بسبب قضية خاشقجي، حيث تتداول بعض الاوساط السياسية في واشنطن احتمالية ظهور قرائن حسية وتسجيلات قد تستخدم لادانة الامير السعودي.
هذا التحرك قد لا يعني تجريم ولي العهد السعودي، بل يعني ان ابن سلمان سيكون مضطر للتعاطي مع الواقع الحالي بعيداً عن الاتكالية على فريق واحد في الادارة الامريكية والتنويع من خياراته الامريكية حيث يرى سياسيون امريكيون ان الشهور الثمانية عشرة القادمة هي الاهم في تاريخ الامير السعودي اذا ما رغب فعلياً باعادة بناء صورته على الصعيد الدولي والخروج من الازمة الحالية في اقل الخسائر.
التحرك السعودي تجاه قيادة دفة التسوية الاقليمية ليس امراً طارئاً، فمنذ قمة فاس ١٩٨١ ومبادرة السلام العربية وتعديلاتها ترتبط في جوهرها بالرياض. لهذا من الطبيعي ان تسعى السعودية مجدداً لتكون بوابة التسوية المُحدثة وفقاً لتطورات الاوضاع الاقليمية وموازين القوة الجديدة.
منطقياً، من الصعب التفكير في قدرة انجاز السعودية لملف التسوية دون انجاز حقيقي في ملف التسويات (العربية- العربية)، حيث ان حالة الاستعداء والانقسام السائد في المشهد العربي لايمكن ان تسمح بانجاز اي ملف من ملفات التسوية العالقة. ترتيب ملفات البيت العربي، العلاقة مع سوريا، انهاء حرب اليمن وترتيب المشهد الفلسطيني بطريقة يقبلها الفلسطنييون هي خطوات اساسية لا يمكن القفز عنها في اطار اي تسوية قادمة. كذلك لم يعد خفياً على أحد حجم الاختلاف في الرؤى بين دول المحور الواحد، فالسؤال عن غياب العاهل الاردني عن قمة شرم الشيخ يكفي لاظهار حالة عدم التناغم التي تسود المحور السعودي الاردني.
ان استفراد فريق واحد في واشنطن في كعكة المكتسبات عبر فرض رؤيته للتسوية ورغبة طرف اقليمي واحد بالاستفراد بخيوط التسوية الشاملة قد يؤدي الى هزات ارتدادية على كافة المستويات. على المستوى السياسي، فان صراع القوى داخل واشنطن سيلقي بظلاله على أطراف التسوية مما يعني تصعيداً محتملاً على شركاء الادارة الامريكية الحاليين الذين سيجدون أنفسهم مضطرين للتعامل مع تحديات استثنائية. كذلك فان فكرة فرض تسوية اقليمية دون الاخذ بعين الاعتبار تعدد المرجعيات والقوى في المنطقة يعني ايضاَ تصعيداً على الارض يكفي على الاقل لتعطيل الانتقال الى الجانب التنفيذي للخطة الامريكية. ان نجاح ادارة ترامب في توسيع دائرة التوافقات الاقليمية والدولية هو العامل الوحيد الذي قد يسمح بالانتقال من الرؤية النظرية الى الرؤية التنفيذية، لكن معظم الاشارات الحالية تشير الى احتمالية توسيع دائرة المناكفة للرؤية الامريكية.
د.عامر السبايلة