مع اقتراب موعد الانتخابات الاسرائيلية يزداد حجم الحراك الامريكي المرتبط بالترتيبات المفترضة لملف التسوية الاقليمية. فبعد شهور عديدة من التسريبات بدأت بوادر التحرك الامريكي على الارض بالظهور بصورة أكبر، وآخرها زيارة وزير الخارجية الامريكي بومبيو الى المنطقة.
على صعيد موازي يشهد مثلث التسوية الاساسي في المنطقة (الاردن، الضفة الغربية، اسرائيل) حراكاً داخلياً يسعى من خلاله كل طرف لتثبيت الاوضاع الداخلية ومعالجة اخطاء يمكن ان تُشكل تهديداً للاستقرار مستقبلاً. الضفة الغربية شهدت حراكاً سياسياً فاعلاً نتج عنه تشكيل حكومة فلسطينية جديدة تتخلى فيها السلطة عن فكرة حكومات التكنوقراط ويظهر في جوهرها حجم التأثير الذي باتت تتمتع به اطراف مؤثرة في التركيبة الفلسطينية الجديدة في مشهد يحاكي عملية الاستعداد للتعاطي مع مرحلة ما بعد ابومازن.
الاردن المرتبط عضوياً في ملف التسوية يشهد هو الاخر تحركات لافتة، حيث اضطر الملك الاردني للعودة سريعاً الى واشنطن في زيارة قصيرة عنوانها الابرز لقاء اركان مطبخ التسوية الامريكية.
تتزامن هذه الزيارة مع الحديث المتكرر لكثير من الاطراف الداخلية والخارجية عن حجم المشاكل التي تتجاوز البعد الاقتصادي في الداخل الاردني. مخاوف كبيرة بدأت تُعبر عنها أيضاً عواصم حليفة لعمان، حيث يدور الحديث عن اشارات مقلقة لابد من التعامل معها سريعاً قبل وصولها الى مرحلة لا يمكن التعاطي معها. تتفق أغلبية الاراء بضرورة احداث تغيير أُفقي “Horizontal Change” شامل في مؤسسات الدولة الاردنية وباسلوب أقرب الى الثورة المدوية بعد الفشل في انجاز ما يسمى الثورة البيضاء وترسخ القناعات بضرورة احداث تغيير في شكل واسلوب ادارة الدولة الاردنية بعد تعثر الوصول الى انجازات حقيقية في السنوات. من هنا لابد من حضور العنصر الغائب تماماً في حقبة الادارة الحالية وهو “تسونامي التغيير” الذي يشعر الناس بحقيقة حصول التغيير.
التغيير المطلوب يحتاج الى انهاء حالة تفريخ مراكز القوى والعودة الى مؤسسية الدولة المنفتحة على المحاسبة والمراقبة، واعادة ضبط بوصلة العمل الحكومي والتشريعي.
ضمن المشهد الاقليمي، يرى بعض حلفاء الاردن التقليديين ان السياسة الاردنية تضع عمان في زاوية ضيقة قد يصعب الخروج منها مستقبلاً. وتكمن النصيحة بضرورة تبني رؤية سياسية أكثر واقعية وتجنب السقوط في فخ الشعبوية. من هنا تظهر ملفات متعددة لابد من التعاطي وفقاً لقواعد البراغماتية الاستراتيجية وأهمها ملف القدس. من جهة أخرى، يشير البعض الى تعامل غير مبرر في موضوع منع الاردنيين من التبادل التجاري مع سوريا، حيث تشير بعض المصادر الى عدم ممارسة اي ضغوط غير مألوفة وأن ما جرى لم يتجاوز الاشارة الى اجراءات روتينية تعود بداياتها للعام ٢٠٠٦. كذلك تحمل مسألة الفتور غير المألوف في التعاطي مع حليف تاريخي للاردن كالسعودية تساؤلات كبيرة بالنسبة للكثيرين الذين يرون فيها مغامرة اردنية غير محسوبة النتائج.
في انتظارالانتخابات الاسرائيلية القادمة تدخل المنطقة في مرحلة الاستعداد لما هو قادم، الامر الذي يُقدم فرصة لكثير من الدول للعمل على انجازاصلاحات أساسية تساعدها على تعزيز الاستقرار الداخلي وفي نفس الوقت القيام بمراجعات ضرورية للسياسات الاقليمية بهدف البحث عن المكاسب وفي الحد الادنى تقليل المخاسر ضمن مفهوم “الواقعية السياسية”.
د.عامر السبايلة