احداث متسارعة يمر بها المشهد الاقليمي من التحركات الشعبية وصولاً الى نتائج الانتخابات الاسرائيلية. الموجة الجديدة من التغيير والتي بدأت ملامحها مع بداية العام ٢٠١٩، شهدت الى الان تغييرات في الجزائر والسودان. اللافت ان موجات التغيير الحالية تلعب فيها المؤسسة العسكرية الدور الابرز منذ البداية في محاولة لضمان التغيير السريع واقتصار وصفة الحل على اجتثاث الفساد، بحيث تنأى المؤسسة العسكرية بنفسها عن تركيبة النظام وتوجه التهم المباشرة لمنظومة الحكم باستخدام مصطلح “عصابة الفساد”.
من اللافت جداً استخدام مسألة مكافحة الفساد في بناء الشرعية حيث تمثل هذه الوصفة بالنسبة لشعوب المنطقة نقطة اساسية وجوهرية في اعطاء انطباع حدوث التغيير. فالسنوات الاخيرة شهدت نماذج مشابهة في محاولة استخدام شرعية مكافحة الفساد كاساس للتغيير، من فندق ريتز كارلتون السعودي الى محاكمة “عصابة الفساد” وهو المصطلح الذي دخل مؤخداً الى ادبيات المؤسسات العسكرية.
لكن لايمكن التعويل فقط على مسألة مكافحة الفساد كاساس لضمان التغيير والحصول على الشرعية خصوصاً ان الكثيرين يدركون تماماً ان من يطرح هذه الشعارات كان ولسنوات طويلة جزءاً من المنظومة الحاكمة وشريكاً لها.
السودان والجزائر نموذجان مهمان لاستيعاب حركة وديناميات التغيير، والاعتقاد باقتصار التغيير على تحركات شكلية قد يؤدي في النهاية الى حالة من الفوضى يصعب السيطرة عليها لاحقاً.
التداعيات الاقليمية لا تقتصر على التحركات الشعبية لاسقاط الانظمة، فالانتخابات الاسرائيلية –على سبيل المثال- قد يكون لها تداعيات لاتقل في خطورتها عن خطر الفوضى والانهيارات الامنية. فمع انتهاء الانتخابات الاسرائيلية وفوز تكتل اليمين يبدأ نتنياهو مشاورات تشكيل حكومته الجديدة في وقت تؤكد نتائج الانتخابات على ان اليمين الاسرائيلي يزداد يميناً وان كلمة الاحزاب المتطرفة اصبحت الضامن الاساسي لاستقرار الحكومات وضمان استمرارها.
ضمن هذا التطور يمكن رصد التداعيات المتوقعة لتأثير الاحزاب المتطرفة على السياسة الخارجية او الخطوات التي سيكون لها تداعيات اقليمية، حيث سيضطر نتنياهو للانصياع لاجندة ورغبات أطراف تحالفه الحكومي، اهمها ضم المستوطنات الاسرائيلية الواقعة في مناطق الضفة الغربية المتعارف عليها بالمنطقة “ج” والتي يبدو انها ستكون الخطوة الاولى للحكومة القادمة وهو ما يضمن عدم وجود اي دولة فلسطينية محاذية للحدود الاسرائيلية وفقاً لرؤية الاحزاب المتطرفة.
من جهة اخرى، تضغط بعض الاحزاب المتطرفة باتجاه ضرورة القيام بعملية اجتياح بري لقطاع غزة وهو الامر الذي يعارضه نتنياهو بشدة، لكن في حال تعاظ هذه الضغوط قد يضطر نتنياهو مجبراً على التماهي مع مسألة خوض الحرب البرية في قطاع غزة.
لكن منطقياً قد يلجأ نتنياهو لتحرك اوسع تحت غطاء امريكي يضمن من خلاله تغيير معادلة الاولويات السياسية في الداخل عبر التحرك لاتمام خطوة ضم الجولان لاسرائيل، مستغلاً الدعم الامريكي اللامحدود في هذه الخطوة، واستمرار الازمة في سوريا. هذه الخطوة ستؤدي لخلق واقع اقليمي مشحون يعتقد نتنياهو بقدرته على ادارته والاستفادة منه لاحقاً في ملف التسويات الكبرى. كذلك فان خطوة واشنطن في وضع الحرس الثوري الايراني على الائحة الارهاب قد تمثل الضوء الاخضر للاسرائيليين للتحرك باتجاه القيام بعمليات تصفية وهجمات موسعة تستهدف الايرانيين في عدة اماكن، مما يعني زيادة في التوترات وخلق حالة عامة من عدم الاستقرار.
اذاً قد تكون المنطقة على موعد مع تداعيات سياسية وامنية ناتجة عن السياسات الاسرائيلية القادمة المبنية على مبدأ “تصدير الازمة” اهمها خطوة ضم اجزاء من الضفة الغربية وانعكاسها على الداخل الفلسطيني والاردن مباشرة خصوصاً في حالة اندلاع انتفاضة ثالثة او خلق حالة عامة من عدم الاستقرار طويلة الامد طويل يتحمل الاردن منطقياً اعبائها.
د.عامر السبايلة