مع انتشار الحديث مؤخراً عن إحباط الأردن لمحاولة تهريب أسلحة كانت متجهة إلى خلية داخل المملكة في نهاية شهر مارس (آذار) الماضي، تعود مسألة التحديات الأمنية التي يواجهها الأردن إلى الواجهة مجدداً. مثل هذه العملية هي جزء من عمليات مستمرة، فالعملية التي تم إحباطها ليست الأولى وعلى الأرجح لن تكون الأخيرة.
منذ بداية الأزمة السورية، بدأ الأردن يواجه واقعاً أمنياً جديداً. في السنوات الأخيرة، أصبح تواجد الميليشيات في الجنوب السوري بالقرب من الحدود الأردنية يشكل هاجساً كبيراً للدولة الأردنية، خاصة مع تطور عمل هذه الميليشيات التي أصبحت الراعي الرسمي لعمليات تهريب المخدرات إلى الأردن ولاحقاً عمليات تهريب الأسلحة.
وفقاً للتحولات الجيوسياسية في العقدين الأخيرين، أصبحت جغرافية الأردن محط اهتمام كبير لكثير من القوى الإقليمية والميليشيات المرتبطة بها. سمح صعود هذه الميليشيات التي أخذت تحل محل الدول القومية لدولة مثل إيران بالدخول المباشر والتأثير في دول: العراق واليمن ولبنان وسوريا. عبر عملية بسط النفوذ التدريجي، كانت إيران تعمل على توظيف الجغرافيا بهدف تحقيق غاية استراتيجية، “مثلث التهديد الأمني” المبني على تطويق إسرائيل بتهديدات مستمرة من غزة وجنوب لبنان والضفة الغربية، مما يجعل الأراضي الأردنية هدفاً للأنشطة الإيرانية، بما في ذلك محاولات إرسال الأسلحة والتسلل إلى البلاد.
وقد اتخذت هذه المحاولات المستمرة أشكالاً مختلفة على مدى السنوات الماضية، مع ظهور الاتجار بالمخدرات كتكتيك فعال وسط الصعوبات الاقتصادية والإحباط الشعبي الواسع النطاق الذي يسود المنطقة.
في محاولة لربط بعض الأحداث التي ظهرت على الساحة خلال الشهور الماضية، تظهر بعض النقاط التي أثارت كثيراً من التساؤلات. مع بداية الحرب على غزة، بدأت محاولات توظيف الجغرافيا الأردنية بأخذ منحى مختلفاً. على سبيل المثال، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حاولت إحدى الميليشيات تهريب أسلحة إلى الأردن وكان لافتاً جداً سعي هذه المليشيا للاشتباك والصدام مع الجيش الأردني. أُحبطت هذه العملية وتم ضبط أسلحة متطورة، بما في ذلك مادة تي إن تي وقاذفات الصواريخ.
بالإضافة إلى ذلك، خلال الشهور الأخيرة، بدأت عملية استعداء الأردن واتهامه بعدم القيام بما يكفي لدعم غزة، على الرغم من أن الموقف الرسمي الأردني كان من أكثر المواقف تقدماً ومعارضة لهذه الحرب. بالرغم من ذلك، استمرت عملية التصعيد والاستهداف ومحاولات تأليب الشارع الأردني وتجييشه بخطاب معادٍ، والتركيز الكبير على الأردن لم يقتصر على دعوات التحرك بل وصل أيضاً إلى بيانات تصدر عن جهات إقليمية تعرض من خلالها تسليح آلاف الأردنيين.
منذ ليلة الهجوم الإيراني على إسرائيل، يتعرض الأردن أيضًا للاستهداف من قبل إيران وحلفائها، حيث يواجه هجمات واتهامات بإسقاط طائرات مسيرة وصواريخ انتهكت مجاله الجوي، بالرغم من قدرة إيران على استخدام مجالات جوية أخرى من مناطق نفوذها الجغرافي في المنطقة والتي كان يمكن لها أن تكون أكثر فاعلية في التأثير على إسرائيل.
في حين أن إيران لن تعترف أبداً بمثل هذه التصرفات والسياسات، الجميع في المنطقة بات يعلم أنه يتعامل مع نسختين من إيران: إيران العملياتية التي تعمل على الأرض، وإيران الدبلوماسية، التي لا تنفك تُلقي باللائمة على الآخرين لعدم انفتاحهم تجاهها. بالرغم من كل ذلك، المنطق السياسي الأردني يجب أن يؤكد على ضرورة تصفير الخلافات مع إيران، وبالتالي الاستمرار في التأكيد على ضرورة إخراج الجغرافيا الأردنية من حساباتها الإقليمية.
من وجهة نظر أمنية، قد لا يتراجع حجم المخاطر القادمة من المنطقة والتي يتعرض لها الأردن بسهولة، نظراً لحجم التعقيدات والمصالح التي باتت تُشكل خارطة نفوذ الإقليم. وجود الجماعات الإجرامية والإرهابية المختلفة، إلى جانب الميليشيات المدعومة التي ترعى تهريب المخدرات والأسلحة، يُبقي على منسوب التهديدات مرتفعاً نسبياً ويبقي على فكرة توظيف هذه الجماعات عالياً في ظل حرب الجبهات المفتوحة التي نعيشها منذ اندلاع الحرب في غزة. لهذا، إن ضمان استقرار الأردن يحتاج إلى قدرات استثنائية للتعامل مع هذه التداعيات والواقع الأمني الجديد. لكن يبقى من المهم جداً أن يُسلط الضوء على طبيعة هذه التهديدات والمخاطر بالنسبة للرأي العام الأردني وعدم تركه رهينة للتجاذبات والتأويلات والأهم الروايات العابرة للحدود.
د.عامر السبايلة