مع استمرار العملية الإسرائيلية في رفح، تُركز إسرائيل على تمكين سيطرتها الكاملة على حدود رفح وممر فيلادلفيا. عبر فرض السيطرة التامة على الحدود مع سيناء، تُركز إسرائيل على هدم الأنفاق وإغلاق طرق التهريب والتأسيس لسيطرة شاملة على المستويات العسكرية والاستخباراتية والأمنية.
في الوقت نفسه، تتزايد الضغوط على إسرائيل، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الموقف الأمريكي المرتبك بشأن كيفية إنهاء الحرب في غزة أو احتواء التصعيد في المنطقة، والذي تبلور مؤخراً في مبادرة الرئيس بايدن الأخيرة لإنهاء الحرب. لكن حتى الآن مازال غياب الإنجاز الأمريكي واضحاً على كلا الجبهتين. فكرة تعزيز السلام الإقليمي التي تسوقها الإدارة الأمريكية كحافز لوقف الحرب قد تُشكل فرصة مثيرة للاهتمام، لكن لابد من الاعتراف أيضاً أن مستوى الصراع وحجم التعقيدات في قضايا المنطقة يجعل من الصعب الاقتناع بقدرة هذا الطرح على إغلاق الأزمات المفتوحة على عدة جبهات.
فعلى سبيل المثال، بعد شهور من جهود التحالف الدولي في البحر الأحمر ما زالت الجبهة مفتوحة وعمليات الحوثيين مستمرة. في الوقت نفسه، أصبحت الصواريخ والطائرات المسيرة القادمة من العراق أكثر تكراراً في مهاجمة إيلات، أما جبهة لبنان فتزداد سخونة كل يوم. هذا المشهد المعقد يفتح باب التساؤلات حول جدوى النهج الأمريكي وقدرة فكرة السلام الإقليمي على احتواء الصراعات على الأرض.
مع أهمية الاعتراف بالدولة الفلسطينية كأداة أخرى للضغط الدبلوماسي، إلا أن هذا النهج قد لا يجدي نفعاً كبيراً في ظل استمرار الصراع وخطورة انتقاله إلى مناطق أخرى، مما يجعل الأولوية لفرض حلول ملموسة على الأرض. كذلك، إن مسألة الاعتراف بدولة فلسطينية دون توضيحات لشكل وجغرافيا الدولة قد تؤدي إلى تعقيد المشاكل المعقدة أصلاً، وقد لا يرضي الفلسطينيين وفي الوقت نفسه، يقدم للإسرائيليين ذريعة لزيادة التصعيد، خصوصاً مع تشبث الإسرائيليين بمسألة الأمن وإغلاق الجبهات المفتوحة كأولوية تتفوق على أي طرح آخر في هذه المرحلة. فمثلاِ، كل الضغوط المستمرة على إسرائيل لم تمنعها من مواصلة عملياتها في رفح.
مع ذلك، يرى البعض أنه من الضروري البدء في التركيز على مرحلة ما بعد الحرب. وبلا شك، فإن غزة هي نقطة الأساس، لكن من المهم النظر إلى الوضع برمته كحزمة واحدة بالرغم من تعقيد وصعوبة طرح حلول يمكن أن ترضي الجميع. على المستوى الدولي، يُنظر إيجابياً إلى التحرك الدبلوماسي العربي الساعي إلى إعادة إنتاج مبادرة السلام العربية باعتباره فرصة لتحقيق حالة من الاستقرار الإقليمي. عملياً، بات عامل الوقت أكثر حرجاً بالنسبة لإدارة بايدن التي لم يتبق لها سوى شهور معدودة في البيت الأبيض، لهذا من الطبيعي أن نشهد سعياً أمريكياً محموماً لإنجاز أي اتفاق سياسي يُسوق على أنه نجاح دبلوماسي، لكن للأسف قد لا تسمح الوقائع العملية على الأرض بتحقيق مثل هذا الإنجاز بالشكل المطلوب.
صحيح أن هناك انتقادات كثيرة للنهج الدبلوماسي الذي اتبعته الإدارة الديمقراطية الأمريكية في هذه المرحلة، لكن لا يمكن تقييم عمل هذه الإدارة وفهم أسباب عدم قدرتها على الإنجاز بمعزل عن الأخطاء والتوجهات السابقة تجاه حلفاء الولايات المتحدة من اللاعبين الأساسيين في المنطقة، كدول الخليج على سبيل المثال، التي لا تزال ملفات مثل حرب اليمن أو الاتفاق النووي الإيراني حاضرة في الذهنية السياسية لهذه الدول عند التعامل مع هذه الإدارة.
لقد اعتاد الجميع على سياسة أمريكية تنتهج استراتيجية “العصا والجزرة” كأداة دبلوماسية فعالة لإنجاز وفرض الصفقات والحلول، لكن في حالة الإدارة الأمريكية الحالية، هناك انطباع بأن الجزرة لم تعد مغرية، بينما العصا لا تُخيف. باختصار، هذا الانطباع عن ضعف فعالية الدبلوماسية الأمريكية هو ما يهيمن على المشهد الحالي.
د.عامر السبايلة