إيقاف الحرب وعدم انهاءها: فرص الهدنة ومعوقات تنفيذها

 




الإشارات الإيجابية المتوالية لقبول صفقة هدنة في غزة تتزامن مع إعلان إسرائيل قرب إنهاء عملياتها العسكرية بشكلها الحالي في غزة، مما يزيد من احتمالية إنجاز الصفقة، خصوصاً مع المرونة التي أبدتها حماس تجاه بعض الشروط التي كانت قد عطلت أي اتفاق سابق. قد يكون أهم هذه الشروط موضوع وقف الحرب تماماً بتعهدات مكتوبة والانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة. لكن في الوقت نفسه تبقى المعوقات الإسرائيلية حاضرة بقوة، وخصوصاً الإصرار على خروج حماس من المشهد الغزاوي، والاحتفاظ بحق القيام بعمليات قتالية في أي وقت وتقسيم قطاع غزة الى مناطق مختلفة خاضعة للرؤية الاسرائيلية. هذا قد يعني أن عنوان هذه المرحلة هو إيقاف الحرب دون إغلاقها.

قد يكون هذا التكتيك هو الخطوة الأكثر عملية لبدء إنهاء الحرب في غزة بشكلها الحالي، وهو ما يتوافق مع الرغبة الأمريكية في استثمار هذه الاتفاق لتعزيز هدنة أطول وأكثر رسوخاً. من جهة أخرى قد لا يتماشى هذا الطرح مع استراتيجية نتنياهو المبنية على شراء الوقت وإطالة أمد الأزمة، لكنه قد يكون مضطراً للتكيف مرحلياً مع الجهود الدبلوماسية لعدة أسباب تتعلق في علاقته مع الإدارة الامريكية، ومسألة الضغط الداخلي  وقرب موعد خطابه في الكونغرس الامريكي.

الحقيقة أن المرونة الإسرائيلية في جبهة غزة تتوافق في جوهرها مع الاستراتيجية الإسرائيلية التي ترغب في البدء بالتركيز على جبهة لبنان الذي دخل في مرحلة "الدبلوماسية الأخيرة " الساعية لاحتواء الصراع بين إسرائيل وحزب الله ومنع توسعه. قد تقدم مسألة إيقاف الحرب في غزة مبرراً جيداً لحزب الله لوقف عملياته التي أكد مراراً أنها جاءت كمعارك إسناد لغزة. لكن حتى وقف الحرب في غزة وإيقاف حزب الله لعملياته قد لا يعني إغلاق الجبهة، حيث تبقى مسألة رسم الواقع الجديد في جنوب لبنان أولوية إسرائيلية، خصوصاً مع التبني الدولي لضرورة إيجاد صيغ للتسوية السياسية.
مع ذلك، تُشكل مسألة وحدة الساحات بصيغتها الحالية تحدياً أمنياً كبيراً لإسرائيل، التي ما زالت تواجه تحديات أمنية قادمة من جبهات غير حدودية. أهم هذه التحديات قد يكون التطور الكبير الذي تظهره فصائل المقاومة العراقية ودخول ترسانة نوعية الى مشهد استهداف إسرائيل مؤخراً، وهو ما تعتبره إسرائيل تحولاً كبيراً قد يجعل الأولويات القادمة لا تقتصر على استهداف السلاح والميليشيات القادمة من سوريا إلى العراق، بل باستهداف هذه الفصائل حتى على الأرض العراقية. يعتبر هذا التهديد المباشر مبرراً لإسرائيل للتحرك بصورة أكثر قوة وفاعلية، خصوصاً أن المشهد الأمني الإقليمي يُشير إلى احتمالية ارتفاع التهديد القادم من البحر الأحمر، خصوصاً مع مغادرة حاملة الطائرات الأمريكية أيزنهاور للبحر الأحمر وانتظار تعويضها الذي قد يأخذ بضعة أسابيع، مما قد يتم استغلاله أيضاً لزيادة عملية التصعيد.

بالعودة إلى مشهد غزة، فإن خطوات حماس المعلنة بقبول كثير من الأمور التي كانت مرفوضة تماماً من قبل الحركة يمكن تشخيصها على أنها مرونة سياسية تتوافق مع ما هو مطلوب أمريكياً في هذه المرحلة: إيقاف الحرب لمنع توسعها إقليمياً، وضرورة اقتناص فرصة إنجاز صفقة سياسية قبيل الانتخابات الأمريكية، وإعادة تكثيف عملية الضغط الدولي على حكومة نتنياهو واستثمار ورقة الرهائن لمضاعفة هذه الضغوط داخلياً.

هذا التحرك من حماس يُجبر إسرائيل على التكيف السياسي وإظهار مرونة أيضاً في جانب قبول هذه الصفقة، لكن في الوقت نفسه، إصرار إسرائيل على الحفاظ على حق القيام بعمليات عسكرية واختيار توقيتها وشكلها، وإبقاء السيطرة الكاملة على المعابر والحدود، يعني أن إسرائيل يمكنها في أي لحظة إعادة الأمور إلى مربع التصعيد الأول. مع ذلك، يبقى التعويل على الاستثمار السياسي في فكرة إنجاز أي إيقاف للحرب، حتى لو كان مؤقتاً، مهماً في التمهيد لإيجاد حلول تدريجية بعد تعثر الوصول إلى حلول جذرية.

د.عامر السبايلة