رسائل التصعيد الإسرائيلي: من الضاحية الى طهران






5/8/2024
منذ عودة نتنياهو من واشنطن، بدأت مناخات التصعيد تظهر بشكل كبير في المنطقة، خصوصاً مع الانتقال الإسرائيلي للمرحلة الثانية من التصعيد، باستهداف قائد كبير في حزب الله في معاقله في الضاحية الجنوبية، وفي الوقت نفسه استهداف رئيس المكتب السياسي لحماس.
مع الخطوات الإسرائيلية الأخيرة، أعادت إسرائيل فتح المنطقة على احتماليات المواجهة الإقليمية بشكل أكبر، في توقيت حساس للإدارة الأمريكية المنشغلة حالياً في الانتخابات الرئاسية، وحتى في إيران التي اعتقدت أن رسائل التغيير السياسي في طهران، مع الوصول المفاجئ لمسعود بازكشيان للرئاسة الإيرانية وعودة جواد ظريف "مهندس الاتفاق النووي" للمشهد السياسي الإيراني عبر موقع مساعد الرئيس للشؤون الاستراتيجية، قد ترفع فرص التسويات مع هذه الإدارة الأمريكية تحت عنوان أن "المعركة سياسية أكثر منها عسكرية".
على الصعيد اللبناني، يمكن قراءة استهداف الضاحية الجنوبية من عدة زوايا، قد يكون أهمها إعلان أن الضاحية الجنوبية لبيروت دخلت دائرة الاستهداف الإسرائيلي المباشر حتى لو كان ذلك ضمن  رسائل التصعيد الإسرائيلي: من الضاحية الى طهرانعمليات محدودة النطاق. والأهم، استهداف الشخصية الأهم على المستوى العسكري والتخطيطي لحزب الله، وفي الوقت نفسه مطلوب للولايات المتحدة، وبهذا تضمن إسرائيل توافقاً أمريكياً على شكل ونوع وهدف العملية. في الوقت نفسه، تُشكل هذه العملية عاملاً ضاغطاً بشكل كبير على حزب الله، خصوصاً بعد شهور من استهداف جنوب لبنان والقرى الحدودية ونزوح عشرات الآلاف من سكان الجنوب إلى الضاحية الجنوبية، مما يحول هذه الظاهرة إلى مشكلة أكبر لدى الحزب وصورته لدى مؤيديه مع غياب أي أفق حقيقي للحل وتفاقم الأزمة.

أما الحدث الأبرز فجاء في اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، في عملية تحمل دلالات كبيرة في كل تفاصيلها المكانية والزمانية. اختيار طهران، وفي يوم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، وفي أوج الاستنفار الأمني والاستخباري الإيراني، وفي مقر تابع للحرس الثوري الإيراني، كل هذا يقود بشكل واضح إلى أن فكرة استهداف إيران بشكل غير تقليدي أصبحت عنوان المرحلة القادمة بالنسبة للإسرائيلي، الذي يرغب في توجيه ضربات مستمرة لإيران والإبقاء على مناخات الأزمة مفتوحة لحين وصول إدارة أمريكية جمهورية قد تكون أكثر حزماً ولديها رغبة أكبر في تبني سيناريو مواجهة إيران.

الخطوات الإسرائيلية الثلاثة، باستهداف حزب الله في الضاحية، وإسماعيل هنية في طهران، وإعلان نجاح عملية تحييد محمد الضيف، وضعت المحور الإيراني اليوم تحت ضغط غير مسبوق، جعلته مضطراً للقيام برد على إسرائيل، وهو ما يبدو أنه الرغبة الإسرائيلية في جر الجميع إلى مواجهة أكبر، الأمر الذي وضع القوات العسكرية الأمريكية في المنطقة في حالة استنفار وتأهب، ووضعت الإيراني في خانة ضيقة جداً جعلته مضطراً للرد أو القيام بخطوات انتقامية على الأقل لعملية ضربت صورته الاستخبارية والأمنية أمام حلفائه وجمهوره. لهذا، قد يكون الرد التقليدي بإرسال مسيرات أو إطلاق صواريخ غير متكافئ مع حجم العملية في الداخل الإيراني، وبالتالي فإن رفع كلفة استهداف إيران على إسرائيل هو عنوان الرد الإيراني، والذي قد لا تنجح إيران في تحقيقه من خلال هذه الضربات التقليدية أو من خلال دفع وكلائها لفتح جبهات متعددة. فالعمل المحكم استخبارياً قد يحتاج من إيران التفكير في عمل استخباري موازٍ، على الأقل لضرب نشوة نتنياهو الحالية وإعادة الأزمة لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية التي ترغب في تجاوز عقدة ما جرى في السابع من أكتوبر.
مع حلقة التصعيد الإسرائيلي الحالي، يتبدد أي أفق حقيقي لإيجاد حل سريع للأزمة الممتدة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بالرغم من الإبقاء الإسرائيلي على خطوط المفاوضات موجودة والإصرار نظرياً على الرغبة بإنجاز تسوية عبر التفاهمات. لكن عملياً، ومن خلال هذه الضربة في طهران، تخلص نتنياهو ولو مرحلياً من عبء المفاوضات، وعمل على تغيير الأولويات بما يتفق مع الأهداف التي أعلنها بصورة واضحة في خطابه الأخير في الكونغرس والتي تتركز على مسألة القضاء على حماس، لتمتد إلى حزب الله، ثم مواجهة إيران.
مع ذلك، وبالرغم من ارتفاع منسوب خطر المواجهة الإقليمية بين إيران وإسرائيل، إلا أن سيناريو الحرب الشاملة قد يكون مستبعداً في هذه المرحلة، فما زالت أطراف فاعلة في الإدارة الأمريكية الحالية تعتقد بأن التفاهم مع إيران قد ينهي خطر هذه الجبهات ويمهد الطريق للتسوية الإقليمية. ومع ذلك، كان خطاب نتنياهو أمام الكونغرس واضحاً في الاتجاه نحو التصعيد والإبقاء على مناخات الأزمة مفتوحة.
د. عامر السبايلة