مفترق طرق حساس: إيران بين الرد والاحتواء

 







 

11/8/2024 

مع ترقّب الرد الإيراني على إسرائيل كنتيجة حتمية لعملية اغتيال إسماعيل هنية في طهران، دخلت المنطقة في حالة من التأهب غير المسبوق. تشهد المنطقة حراكًا دبلوماسيًا مكثفًا يهدف إلى احتواء طبيعة الرد الإيراني من جهة، وتوجيه رسائل تحذير صريحة لطهران من جهة أخرى، بأن أي هجوم إيراني واسع قد يستدعي ردًا عسكريًا إسرائيليًا واسعًا ومدعومًا أمريكيًا.
تحرّكت الآلة الحربية الأمريكية بسرعة نحو المنطقة بترسانة غير تقليدية، لإرسال رسالة واضحة لإيران: أن شكل الرد على الرد الإيراني هو ما يجب أن يقلق طهران الآن. هذا الموقف وضع محددات حقيقية أمام أي شكل من أشكال الرد الإيراني. فالضربة التي وُجهت لطهران كانت ذات طابع استخباري عميق، وأي رد عسكري استعراضي لن يكون على مستوى الحدث. وحتى الرد العسكري الإيراني التقليدي والمحدود يمكن أن يقدم للإسرائيليين المبرر لتوجيه ضربات أكبر لإيران، مما قد يؤدي إلى دخول المنطقة في دائرة صراع أكبر يصعب ضبط تداعياته واحتواء تطوراته.
الارتباك الإيراني في اختيار طبيعة الرد هو بلا شك نتاج لعوامل داخلية وخارجية متعددة، أبرزها تشكل مراكز قوى جديدة داخل إيران تؤمن بأن الحل يكمن في عدم تقديم مبرر لضرب إيران وإدخالها في مواجهة مع القوى الدولية. أما العوامل الخارجية، فتتمثل بشكل أساسي في جدية التحرك الأمريكي والاستعداد الإسرائيلي لفتح جميع الجبهات، من لبنان إلى سوريا والعراق واليمن وإيران. من هنا، يمكن أيضًا قراءة خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، الذي حاول تبرير تجنب إيران وسوريا المواجهة المباشرة في هذه المرحلة، والاحتفاظ بفكرة الرد على إسرائيل عبر حزب الله أو الفصائل الأخرى من اليمن إلى العراق. واعتبر أن عدم الرد السريع هو جزء من استراتيجية الاستنزاف الأمني للإسرائيلي، وأن الرد القادم قد يكون مفاجئًا ولكنه لن يمنح إسرائيل ما ترغب فيه من جلب إيران إلى دائرة الصراع المباشر. مما يعني الإبقاء على لبنان في خط المواجهة المباشرة مع إسرائيل بدلاً من الانتقال إلى مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل.
وبالرغم من تعدد أسباب ومحددات الرد الإيراني، تبقى النقطة الحاسمة هي طبيعة التحرك العسكري الأمريكي، وتوفر الإرادة الأمريكية لاستخدام القوة بشكل صارخ، وهو ما لم يكن متاحًا في الفترات الماضية. فالآلة العسكرية الأمريكية التي جُلبت مع بداية الأزمة هدفت إلى احتواء التصعيد في المنطقة والحفاظ على نوع من التوازن الإقليمي. أما الميل الحالي الواضح نحو استخدام القوة، وتهديد إيران بصورة مباشرة بأن الرد الإسرائيلي على الرد الإيراني قد يضعها في خانة الاستهداف الحقيقي، هو ما أعاد رسم المشهد الحالي وأدخل الجميع في دائرة إعادة الحسابات.
بالعودة إلى خطاب نتنياهو الأخير في الكونغرس، تبدو أحداث الأسابيع الأخيرة وكأنها ترجمة فعلية لما جاء في الخطاب من الإصرار على الاستمرار في مواجهة حماس، والذي تُرجم أيضًا بالانتقال لاستهداف رئيس المكتب السياسي، وفتح الجبهة الشمالية وإبقائها في وضع قابل للتصعيد في أي لحظة. وهذا ما انعكس في استهداف شخصية بحجم فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية، والتحضير لمواجهة مباشرة مع إيران، والذي تجلى في اختيار استهداف إسماعيل هنية في طهران في يوم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد. قد يكون هذا السيناريو الوحيد الذي يضع إيران في موقف محرج جدًا أمام نفسها وأمام حلفائها، ويضطرها لاتخاذ خطوات للرد على هذا الخرق الأمني الكبير. خصوصًا أن إيران كانت تستعد مع وصول التركيبة الإصلاحية الجديدة إلى سدة الرئاسة للمراهنة على فكرة التسوية مع الغرب على حساب استمرار الصراع، وهو ما يرفضه نتنياهو بشكل جذري، معتبرًا أن خطر التسوية السياسية بين الغرب وإيران أكبر بكثير على إسرائيل من خطر مواجهة مباشرة معها في هذه المرحلة.
في ظل هذه المعطيات، تبدو المنطقة وكأنها توقفت أمام مفترق طرق حساس جدًا، حيث ستحدد طبيعة الرد الإيراني ومسار التحركات الأمريكية والإسرائيلية شكل الصراع الحالي في المنطقة. وإذا تمسكت إيران بضبط النفس وتجنبت التصعيد المباشر، فقد تتمكن من تجنب مواجهة واسعة النطاق، لكنها ستسعى لتحقيق أعلى مستوى من المكاسب السياسية. ومع ذلك، فإن تعقيدات المشهد الإقليمي وتعدد اللاعبين والمصالح يجعل من السهل الإبقاء على الجبهات في حالة تصعيد وقابل للانفجار، خصوصًا مع الإصرار الإسرائيلي على حسم العديد من القضايا العالقة مع إيران مباشرة بعد شهور من الصراع المفتوح على عدة جبهات.
د.عامر السبايلة