التدويل واستراتيجية الخروج من تبعات فتح الجبهات

 









26/8/2024


تواجه مفاوضات التهدئة في غزة تحديات كبيرة مع تعثر التوصل إلى توافقات في الدوحة والقاهرة، حيث تركز النقاشات حالياً على مسائل الحدود، وأبرزها مسألة السيطرة والإشراف على محور فيلادلفيا. ورغم الضغوط الكبيرة التي تُمارس على إسرائيل لإبداء مرونة في هذا الملف، إلا أن الحكومة الإسرائيلية تصر على الاحتفاظ بالسيطرة أو الإشراف الأمني المباشر على المحور، مبررة ذلك بالخوف من تكرار سيناريو اختراق الحدود وتهريب السلاح، وهو ما يعتبره الإسرائيليون والولايات المتحدة على حد سواء قضية حساسة للغاية.
ورغم التأكيدات الإسرائيلية بعدم وجود رغبة في بقاء أي مظاهر للتواجد العسكري في المحور مستقبلاً، إلا أن إسرائيل تُصر على الإشراف الأمني، مما يعني أن هذه المشكلة لن تُحل إلا بدخول وسطاء دوليين وإيجاد نموذج مقبول لدى جميع الأطراف. من هنا تبرز فكرة تدويل الحدود كخيار منطقي وحيد يمكن تطبيقه، حيث يصبح وجود قوات دولية تقوم بالتنسيق مع إسرائيل بشكل مباشر وسيلة ضغط حقيقية على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مما قد يجبر إسرائيل على القبول بهذا النموذج باعتبار أن الضمانات الأمنية أصبحت مسؤولية دولية، مع ضمان تفعيل خطوط التنسيق المباشر مع إسرائيل.
وفي الوقت الذي بدأت فيه طروحات التدويل في غزة تظهر على أنها الحل الأكثر واقعية وقبولاً لدى جميع الأطراف، حتى لو اختزلت في هذه المرحلة على الجانب الأمني للحدود، فإن هذا الطرح يعني دوراً أكبر للإشراف الدولي على المسائل الخلافية الأخرى، بما فيها مسألة إدارة غزة بعد الحرب أو حتى إعادة الإعمار في المستقبل.
في الوقت نفسه، تشهد جبهة لبنان تصعيداً مستمراً، وفتحاً تدريجياً للمواجهة بين إسرائيل وحزب الله. الأسابيع الماضية شهدت حراكاً دبلوماسياً مكثفاً بهدف احتواء المواجهة، ويمكن تصنيف هذه الجهود على أنها استطاعت تجنب اندلاع مواجهة مفتوحة، لكنها أبقت الوضع كما هو، مما يعني أن احتمالات توسيع المواجهة تصبح أكبر. وهذا لأن إغلاق الجبهة لا يبدو ممكناً بالنسبة لإسرائيل دون تحقيق هدفين: أولاً، توجيه ضربات حاسمة لحزب الله على المستويين العملياتي واللوجستي؛ وثانياً، إيجاد حلول عملية طويلة الأمد قد تكون متوافقة مع مناخات الحلول التي يتم طرحها على جبهة غزة، خصوصاً في مسألة وجود قوات دولية.
في الحالة اللبنانية، فإن التدويل موجود بالفعل، ولكنه قد يحتاج إلى تعديلات وتغييرات. بمعنى تغيير مسمى اليونيفل وعملها، مما يعني في النهاية أن فتح الجبهات من قبل إسرائيل اليوم لا يمكن أن ينتهي دون إشراف دولي ودون نقل مسألة تأمين هذه الحدود إلى المجتمع الدولي.
لكن لابد هنا من الإشارة إلى الخصوصية التي تتمتع بها جبهة لبنان بالنسبة لإسرائيل. فهي ليست مجرد مواجهة تهدف إلى تأمين الحدود، أو ضمن استراتيجية تأمين الجغرافيا، لكنها أيضاً الملف الأهم في إطار المواجهة الأكبر مع إيران. إسرائيل لا ترغب في إغلاق أي جبهة قتال مفتوحة اليوم دون ضمان قطع الطريق بين بيروت وطهران، مما يعني أن تحقيق أي خطوة في إطار عزل لبنان عن النفوذ الإيراني يعد إنجازاً مهماً للغاية بالنسبة للإسرائيليين اليوم. لهذا السبب، استمرت إسرائيل في استهداف حزب الله وقادته ومخازن أسلحته على مدار الشهور العشرة الماضية، وتسعى إلى تحويل حزب الله إلى عبء على لبنان ذاته، باعتبار أن لبنان لا يمكن أن يخرج من أزمته الحالية المركبة إلا بإغلاق الملفات العالقة مع حزب الله.
هذه العزلة قد تفاقم الحديث عن بدائل عملية لاستدامة الحياة في لبنان في ظل هذه الأوضاع، من ملف الطاقة إلى ملف مطار بيروت، الذي سيبقى على رأس لائحة الاستهداف الإسرائيلي. إسرائيل لا ترغب في بقاء مطار بيروت ضمن دائرة نفوذ حزب الله، مما قد يعني العمل على عزله لاحقاً في حال تصاعد التهديدات الأمنية للمطار، وهو ما قد يدفع اللبنانيين للبحث عن بدائل لاستدامة الحركة الجوية. وهذا يجعل مطار الرئيس رينيه معوض" القليعات" في شمال لبنان مرشحاً ليكون بديلاً مرحلياً لتفادي التهديدات المستمرة التي تطال الطيران المدني وخطر تفاقم العزلة الدولية.
دخول حلول التدويل والإشراف العسكري الدولي إلى ملف الحرب في غزة قد يُثير شهية إسرائيل لتسريع عمليات التصعيد على جبهة لبنان، وتنفيذ لائحة الإستهدافات الطويلة التي تعتقد إسرائيل أنها لا يمكن أن تقبل بتسويات سياسية دون ضربها. فتح الجبهات من قبل إسرائيل اليوم قد ينتهي بمسؤولية دولية، أي بترحيل الأزمة لتصبح على عاتق المجتمع الدولي، مما يعني تحرر إسرائيل من المسؤولية والتبعات التي تترتب على فتح هذه الجبهات.
د.عامر السبايلة