اغتيال نصرالله: بداية مرحلة جديدة في الصراع بين إسرائيل ومحور المقاومة

 



29/9/2024

لضربة الأقوى التي وجهتها إسرائيل لحزب الله باغتيال الأمين العام للحزب حسن نصرالله ومجموعة من قيادات الصف الأول تعني ضمنيًا انتقال إسرائيل إلى مرحلة أوسع في المواجهة مع حزب الله وجميع عناوين محور المقاومة، مع تسارع واضح في السعي الإسرائيلي لفرض المواجهة على ايران.
 
هذه الضربة، التي تزامنت مع خطاب نتنياهو في الأمم المتحدة، شكلت العنوان الجديد للمواجهات المستمرة في المنطقة على مدار السنة الماضية. هذا العنوان، الذي تترجمه إسرائيل بخطوات خطيرة، شمل استهداف ضاحية بيروت الجنوبية، وتوجيه السكان نحو مناطق محددة، وحتى التلميح بعدم سماح إسرائيل لأي طائرة إيرانية أو عراقية بالهبوط في مطار بيروت. ويعني هذا ضمنيًا أن إسرائيل بدأت بإفراغ معاقل حزب الله الجغرافية في الضاحية الجنوبية لبيروت، بعد إفراغ قرى الجنوب، في محاولة لحرمان الحزب من استخدام قواعده اللوجستية وتجريده من حاضنته الشعبية بهدف عزله وإضعاف قدرته على حشد الدعم والموارد وإعادة ترتيب صفوفه الداخلية.
 
الأهم الآن هو فكرة العزل والاستفراد بالحزب، وبدء التنفيذ العملي لعملية قطع الطريق بين بيروت وطهران عبر السيطرة الأمنية على الحدود البرية والبحرية، والجوية. فالاستهدافات المستمرة للجغرافيا الحدودية بين لبنان وسوريا لم تتوقف على مدار الساعة، بينما بدأت إسرائيل الآن بفرض نوع من السيطرة الأمنية على مطار بيروت وتحديد هوية المستخدمين لمنشآته.
 
السعي الإسرائيلي للسيطرة على المواقع الاستراتيجية يهدف أيضًا إلى تسهيل العمليات الاستخباراتية ضد منظومة الحزب الداخلية وتوجيه الضربات الاستباقية ضد الجماعات المسلحة الأخرى المتحالفة مع إيران، التي قد تحاول الوصول إلى لبنان لدعم الحزب أو فتح جبهة مواجهة برية مع إسرائيل في الجنوب اللبناني، أو حتى توسيع ساحة المعركة إلى جبهة الجولان.
 
بالعودة إلى شكل المواجهة الإسرائيلية مع حزب الله، فمنذ عملية تفجير «البيجر» كان واضحًا أن إسرائيل بدأت عملية ممنهجة تستهدف الحزب بطريقة تتجنب فيها المواجهة المباشرة معه، وتعمل على تجريده من قدراته العسكرية وضرب هيكله التنظيمي والقيادي. السرعة في تنفيذ العمليات تشير إلى أن إسرائيل أرادت الاستفراد بأفضلية المبادرة، وإنهاء أكبر قدر ممكن منها بأسلوب المفاجأة والمباغتة، وهو ما لم يواجه بردود فعل تشكل تهديدًا أمنيًا حقيقيًا لإسرائيل، مما سمح لها بالاستمرار والتسريع في هذه العمليات.
 
صحيح أن نتنياهو اتبع نهجًا تكتيكيًا كغطاء لتوجيه ضربات أكبر للحزب عندما فتح نافذة صغيرة للدبلوماسية لطرح مبادرة لوقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أسابيع، لكنه في الحقيقة استخدم هذه المناورة قبيل ذهابه إلى الأمم المتحدة لفتح بوابة المواجهة مع حزب الله على مصراعيها. وأكد أن المواجهة ليست مع لبنان بل مع حزب الله، مع إصراره على أن هذه الجبهة فتحها الحزب ولكنه لم يعد يملك قرار إغلاقها، وأن إسرائيل تتعامل معها كجبهة تهديد وجودي لا بد من تغيير شكلها وقواعدها لفترة طويلة قادمة. هذا الموقف أدى إلى تقليص مساحة الدبلوماسية وتوسيع نطاق العمليات العسكرية.
 
في الواقع، ما تقوم به إسرائيل اليوم يتجاوز فكرة فرض تطبيق القرار 1701 كمرجعية سياسية للتسوية، إذ تسعى إلى إعادة رسم الحدود مع لبنان بعد إفراغ الجنوب وحتى مناطق نفوذ الحزب داخل لبنان. تعتقد إسرائيل أن تجريد حزب الله من قدراته العسكرية سينعكس على تأثيره السياسي، وأن المواجهة لم تعد على الحدود فقط، بل انتقلت إلى معاقل الحزب وأصغر مراكزه، مما يعني وضع حزب الله في إطار لبناني محدود وفصله تمامًا عن الإقليم. خاصةً إذا استمرت الضربات وتعميق الأزمة الإنسانية داخل البيئة الشيعية لحزب الله، بهدف تحويل الحزب إلى عبء على لبنان نفسه، وإعادة فتح النقاش الداخلي حول ماهية الحزب وتأثير سياساته على لبنان بشكل عام.
 
استهداف حزب الله بهذه الطريقة يمكن أيضًا أن يُفهم كمقدمة للتعامل الإسرائيلي القادم مع «التهديدات المحتملة» من سوريا، العراق، واليمن، خاصةً إذا بدأت هذه الجبهات باستهداف إسرائيل. تشير المعلومات إلى وجود مقاتلين من تنظيمات عراقية ويمنية في محيط الجغرافيا الإسرائيلية، ليس فقط من جبهة الجنوب اللبناني، بل من الجولان السوري وحتى طبريا، مما يعطي للمواجهة بُعدًا إقليميًا واضحًا ويجعل من المواجهة مع كافة التنظيمات والميليشيات المدعومة من إيران حتمية، وربما توجيه ضربات مباشرة لإيران نفسها، كما أشار نتنياهو في خطابه الأخير في الأمم المتحدة عندما قال إن إسرائيل مستعدة لاستهداف بنك أهداف إيراني كامل.
 
بلا شك، دخلت المنطقة منعطفًا حرجًا لا يقتصر على منطقة معينة، بل يشمل كافة جغرافيا الشرق الأوسط السياسية. هذه التحركات الإسرائيلية من المرجح أن تحدث هزات ارتدادية في عدة أماكن. من هنا، قد تكون الجغرافيا الأردنية، الواقعة في خضم هذه الصراعات، أمام امتحان حقيقي على المستوى الأمني، مع رغبة الأطراف المتعددة في المواجهة غير المباشرة أو توسيع رقعة الصراع، الأمر الذي يتطلب التركيز على الداخل وعلى الجبهة الداخلية أمنيًا، سياسيًا، اقتصاديًا، ومجتمعيًا.
د.عامر السبايلة