12/10/2024
بينما ينتظر العالم الرد الإسرائيلي على الضربة الإيرانية الأخيرة، يبدو أن العنوان الإسرائيلي للرد يتركز بشكل متزايد على استهداف الحرس الثوري الإيراني.
الهجمات والعمليات الإسرائيلية الأخيرة تؤكد أن الأولوية تكمن في توجيه ضربات استراتيجية للمواقع الحيوية التي يديرها الحرس، بما في ذلك قواعده العسكرية، منشآت تصنيع الأسلحة، والمناطق التي تؤثر على نفوذه الإقليمي.
هذه الاستراتيجية لا تأتي بمعزل عن التطورات الأخيرة في لبنان. يمكن اعتبار مسار التحركات الإسرائيلية منذ الانتقال الى المواجهة المباشرة مع حزب الله جزءًا من التحضير لضربة أكبر للحرس الثوري. فإسرائيل تسعى، من خلال تسريع وتيرة استهداف حزب الله، إلى منعه من إعادة تنظيم صفوفه وتجريده من أي أوراق قوة يمكن أن يستخدمها لنقل الأزمة الأمنية إلى الداخل الإسرائيلي. هذا النهج يتبع نمطًا شبيهًا بما قامت به في غزة والضفة الغربية، حيث اعتمدت إسرائيل سياسة استنزاف الفصائل الفلسطينية المسلحة ومنعها من تهديد أمنها.
استراتيجية إسرائيل في احتواء التداعيات الأمنية بالتركيز على توجيه ضربات كبيرة لحزب الله جعلت من سوريا ساحة مواجهة مباشرة في الصراع الدائر.
تعرضت المواقع الإيرانية في سوريا خلال الأيام الماضية لعدة ضربات قوية، تستهدف بالأساس قطع خطوط الإمداد اللوجستي التي تدعم حزب الله. لكن من الواضح أن هذه الهجمات ليست مجرد ردود فعل قصيرة المدى، بل تأتي في إطار استراتيجية أكبر تهدف إلى تقليص النفوذ الإيراني في سوريا. إذ تسعى إسرائيل إلى تغيير المعادلة على الأرض من خلال تقييد حركة إيران وحزب الله، ومنعهم من تنفيذ سيناريوهات إمداد بديلة قد تؤدي إلى عدم استقرار أكبر في الداخل السوري.
أما على جبهة لبنان، فإن حزب الله قد يواجه أسابيع حاسمة في المواجهة مع إسرائيل. تعتمد استراتيجيته الحالية على إلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر بإسرائيل، والإبقاء على معادلة الفراغ السكاني في الشمال الإسرائيلي مع الحفاظ على قدرته على توجيه ضربات حتى وإن كانت رمزية إلى الداخل الإسرائيلي.
في المقابل، تسعى إسرائيل إلى تكثيف عملياتها ضد الحزب على المستويات الأمنية والعسكرية والسياسية. الهدف هنا هو عزل حزب الله عن محيطه الاجتماعي والاقتصادي في لبنان، وتحميله مسؤولية الأزمات السياسية والإنسانية المتفاقمة في البلاد.
إسرائيل تحاول، من خلال هذه الاستراتيجية، تجريد حزب الله من قوته العسكرية وتحويله إلى عبء على لبنان. الهجمات المكثفة تهدف إلى عزل الحزب واستنزاف قدراته اللوجستية والميدانية، مما يؤدي إلى إضعافه على المدى الطويل. ومن المحتمل أن تمتد هذه الاستراتيجية إلى مناطق أخرى مثل العراق واليمن، في إطار السعي الإسرائيلي لتقليص نفوذ إيران الإقليمي وتحقيق أهداف جيوسياسية أوسع.
ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر الذي يواجه إسرائيل هو تفعيل خصومها لجبهات متعددة ضدها. رغم أن هذه الهجمات قد لا تكون كافية لتغيير معادلة الصراع بشكل جذري، إلا أنها قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار الداخلي في إسرائيل. الهجمات الصاروخية المتكررة والطائرات المسيّرة تشكل هاجسًا أمنيًا كبيرًا للحكومة الإسرائيلية، وتخلق حالة من الخوف لدى المجتمع. هذا الخوف قد يتزايد إذا ما تصاعدت العمليات الفردية أو تحركات الخلايا النائمة داخل إسرائيل، مما يزيد من الضغط على الحكومة الإسرائيلية في إدارة هذه الجبهات المفتوحة.
في ظل هذه الظروف، تبدو إسرائيل عازمة على استكمال حملتها العسكرية على جبهات متعددة. لكن الحفاظ على هذا التصعيد لفترة طويلة سيكون تحديًا كبيرًا، خاصة إذا استمرت الهجمات على الداخل الإسرائيلي وأثرت على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في البلاد.
د.عامر السبايلة