من جديد إلى البيت الأبيض: رهانات وتوقعات في عهد «ترامب الثاني»

 



10/11/2024


فور إعلان نتائج الانتخابات الأمريكية، والنجاح الكبير الذي حققه دونالد ترامب والحزب الجمهوري، بدأت التحليلات والتوقعات تتناول شكل الحقبة “الترامبية” الجديدة.

ورغم إصرار الكثيرين على رؤية ترامب من منظور حقبته السابقة، إلا أن من الضروري أخذ حجم التغيرات التي طرأت على مختلف الأصعدة الدولية والإقليمية، وخاصة ما يهمنا منها في منطقة الشرق الأوسط.

أي تفكير منطقي تجاه الشرق الأوسط اليوم يجب أن يأخذ في الاعتبار أن ترامب قد يحاول استئناف النقاط التي توقف عندها سابقاً. فعلى سبيل المثال، سيبقى الاتفاق الإبراهيمي أساساً ترغب الإدارة في البناء عليه، إلا أن بعض المتغيرات المتعلقة بمفهوم السلام الإقليمي قد تفرض نفسها أيضًا، خاصة مع الرغبات السعودية المعلنة بشأن ضرورة عدم تجاوز مسألة السلام مع الفلسطينيين كشرط للسلام مع الدول العربية، وتقديم ضمانات لاعتراف بدولة فلسطينية.

كذلك، قد يتجاوز أي اتفاق مباشر مع السعودية في جوهره الإطار السابق للاتفاق الإبراهيمي.

عمليًا، الواقع المتشكل في المنطقة بعد السابع من أكتوبر جديد بكل تفاصيله، مما يعني أن ملامح “صفقة القرن” التي طرحت في عهد ترامب سابقاً قد تحتاج إلى تعديلات تتماشى مع المتغيرات الراهنة.

حيث أن فكرة الصفقة التي تسكن عقلية إدارة ترامب تختلف في جوهرها عن مبدأ خطة السلام، فأساسيات الخطة عادة ما تكون ثابتة بينما الصفقة متغيرة، وهو ما يعني ان أي إعادة طرح مستقبلي لأي صفقة قد يكون متوافق مع المتغيرات التي يمكن ان تحدث خلال الفترة القادمة أي قبل الدخول الفعلي لإدارة ترامب الي البيت الأبيض.

ويمكن استشراف الرغبة الإسرائيلية في احداث هذه التغييرات في مرحلة الانتقال بين الإدارتين، بهدف تأسيس واقع جديد على الأرض.

فعلى سبيل المثال، عشية الانتخابات الأمريكية وقبل حسم نتائجها، أقال نتنياهو وزير الدفاع غالانت في خطوة لم تكن مفاجئة بحد ذاتها، لكن توقيتها واختيار البديل شكلا المفاجأة، فإسرائيل كاتس، الذي عُيّن بدلاً عنه، يُعتبر خياراً قوياً من الناحية السياسية والتنفيذية. منذ عودته إلى وزارة الخارجية، شهدت سياساته تصعيداً وتهديدات واضحة تجاه الأطراف المختلفة، ما يجعله مؤهلاً لاتخاذ خطوات تصعيدية في المنطقة.

ومن المتوقع أن تستغل الحكومة الإسرائيلية الأسابيع المقبلة لتصعيد الأوضاع على عدة جبهات، منها لبنان وسوريا والعراق، وأهمها ربما الضفة الغربية، بهدف خلق واقع جديد يعتمد سياسة فرض الأمر الواقع مع وصول إدارة ترامب إلى البيت الأبيض.

بالنسبة للأردن، كثر الحديث حول مخاوف وتوجسات من تداعيات محتملة لسياسات ترامب في المنطقة، وهي مخاوف قد تكون مشروعة. لكن في الوقت نفسه، يبقى الأردن تاريخيا حليف أساسي للولايات المتحدة وليس لإدارة بعينها، وأي مخاوف لابد ان تواجه بطرق غير تقليدية اليوم، وهو ما يعني ضرورة أن يكون الأردن قادرا على التعامل والتكيف مع كل ما يجري في المنطقة من متغيرات وصياغة دور يجعله جزء من الحلول ولاعب أساسي في صياغتها.

وهذا يتطلب عدة خطوات اردنية، أهمها التفكير ضمن منهجية السياسة الواقعية، البحث عن حلول للقيام بدور فعال في الإقليم الذي تعمقت ازماته وغابت حلوله، مما قد يجعل أي دور أردني اليوم دوراً مهماً في عيون حلفاءه.

إقليمياً، وفي ظل التوجه نحو مرحلة من التصعيد وتداعياتها، يحتاج الأردن إلى دعم موقفه العربي، وخاصة على مستوى علاقاته مع دول الخليج. وقد نجح في بناء علاقة نموذجية مع الإمارات، لكن من الضروري أيضاً توسيع دائرة التحالفات الاستراتيجية، خاصة مع السعودية، الجار الجنوبي للأردن والفاعل المحوري في أي رؤية أمريكية مستقبلية للسلام الإقليمي.

لذلك، من المهم للغاية تعزيز العلاقة الاستراتيجية مع السعودية على الصعيدين الأمني والسياسي والاقتصادي، حيث يشكل التكامل في السياسات مع الرياض في هذه المرحلة ركيزة أساسية لدعم الأردن في ظل الضبابية التي تسود المنطقة.

داخلياً، تبقى الأولوية اليوم للاستقرار الداخلي الأردني وحماية الأمن الوطني في مواجهة أي تداعيات محتملة للتصعيد الإقليمي على الجبهات المحيطة بالأردن، بما فيها سوريا، العراق، والضفة الغربية وقطع الطرق علي أي محاولات لتصدير الأزمة وتفريغها علي الأرض الأردنية.