6/4/2025
تواصل إسرائيل توجيه ضربات مركزة داخل الأراضي السورية، والهدف المُعلَن هو منع تحويل الجغرافيا السورية إلى ساحة تستثمرها أطراف إقليمية أو دولية، ومنع تمركز جماعات مسلّحة أو تكدّس أسلحة قد تُهدّد أمنها، بما في ذلك أي وجود عسكري تركي. فمن المنظور الإسرائيلي، إخراج إيران من سورية لا يعني أبداً تسليم الموقع لتركيا. ما يجري اليوم يتجاوز مسألة تأمين الحدود، إلى إعادة تشكيل الواقع الأمني والجغرافي والسياسي لسورية على مقاس الرؤية الإسرائيلية.
صحيح أن التصعيد لا يقتصر على الساحة السورية؛ فعودة الحرب إلى غزة، ومحاولات تغيير معادلة الضفة الغربية، والضربات المتكررة في لبنان، كلها تجتمع لتؤشر إلى مرحلة تصعيد تتخطى حدود الرضا الأميركي إلى المشاركة المباشرة، فواشنطن تتولى اليوم إدارة الملف اليمني، وتنفذ ضربات ضد الحوثيين، بل وتُصدر تهديدات صريحة باستهداف إيران عسكرياً بطرق غير مسبوقة. هذا المنحى الأميركي لا بد أن يدفع طهران إلى احتواء الضغط عبر مسارين: إما بإظهار مرونة دبلوماسية عبر الانفتاح على الحوار، أو من خلال التصعيد غير المباشر عبر الجبهات المحاذية لإسرائيل، وهو ما يدفع إسرائيل بدورها إلى تحصين هذه الجبهات استباقياً، وقد يشمل ذلك أيضاً جبهات أبعد، كالعراق، للحيلولة دون تحويلها إلى منصّات تهديد في المرحلة المقبلة.
الضغط الإسرائيلي المتصاعد على سورية يُعبّر بوضوح عن نوايا تتجاوز الأمن إلى إعادة رسم الخريطة السياسية لهذا البلد. ويضع النظام السوري الجديد أمام استحقاق التعامل مع هذا التصعيد، ضمن هامش ضيّق من الخيارات. خيار الدعم الإقليمي من تركيا يبدو نظرياً مغرياً، لكنه عملياً صعب التحقيق في ظل مناخ المواجهة الحالي والموقف الأميركي الصلب في دعم السياسات الإسرائيلية. هذا الواقع يتجلى بوضوح في الاستهداف الإسرائيلي لمناطق عبّرت أنقرة عن رغبتها بتحويلها إلى قواعد عسكرية. الرد التركي جاء عبر تصريحات وزير الخارجية هاكان فيدان، الذي شدد على أن بلاده لا ترغب في أي مواجهة مع إسرائيل في سورية، بل أشار بشكل واضح إلى أن التوصل إلى "تفاهمات معينة" بين دمشق وتل أبيب يبقى شأناً سورياً داخلياً.
سقوط الخيار الإقليمي، وتراجع الرهانات على تحالفات دولية، يدفع النظام في دمشق إلى البحث عن تفاهمات محتملة مع واشنطن. خصوصاً أن الموقف الأميركي من النظام ما يزال غير محسوم، فيما تستمر العقوبات بتعميق العزلة. وهنا قد يبدو السعي نحو قبول أميركي الخيار الوحيد المتاح أمام الإدارة السورية. لكن يبقى السؤال الجوهري: ما الذي تريده واشنطن من دمشق؟ من السياسات الداخلية، إلى ما لمح إليه مبعوث الرئيس الأميركي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، حول احتمال انضمام سورية ولبنان إلى اتفاقيات أبراهام.
إذاً، وبينما بات التهديد لإيران أميركياً ولم يعد حصراً إسرائيلياً، تواصل إسرائيل استراتيجية التصعيد لفرض واقع جديد وتحويله إلى أمر واقع. وحتى فكرة إعادة تشكيل العلاقات الإقليمية عبر اتفاقيات سلام، بما في ذلك سورية ولبنان، لا تبدو في الوقت الراهن ضمن أولويات تل أبيب، لأنها ببساطة تنفّذ ما تريد دون الحاجة إلى شرعنة هذه السياسات عبر اتفاقيات. لكن، وفي حال نجحت في تثبيت معالم هذا الواقع، فقد تتحوّل اتفاقيات السلام لاحقاً إلى أداة لترسيخ ما فُرِض بالفعل بقوة الأمر الواقع.
د.عامر السبايلة