لا يمكن لأي قراءة سياسية للمشهد الاردني ان تُسقط رسالة التكليف النوعية التي وجهها الملك عبدالله الثاني لمدير مخابراته الجديد الجنرال احمد حسني.
حجم المصارحة التي أصر الملك على اظهارها في رسالة التكليف شكلت حالة من التساؤلات حول الاسباب التي اضطرت الملك شخصياً ان يشير بهذا الوضوح لحجم الاخطاء التي تجتاح كافة مؤسسات الدولة الاردنية في اشارة ضمنية قدمت جرعة من التفاؤل لمعظم المراقبين، باعتبار ان لحظة استحقاق التغيير والثورة البيضاء التي طالما انتظرها الاردنيون باتت على الابواب.
والحقيقة ان رسالة الرد على التكليف الملكي التي قدمها الجنرال حسني لم تقل اهمية في الاشارة المباشرة لعدم السماح بالمساس بالمرتكزات الدستورية، وقد تكون هذه المرة الاولى التي يسمع فيها الاردنيون مباشرة بصورة رسمية حديثاً يطال مسألة المرتكزات الدستورية، الامر الذي يشير بوضوح ان هناك تعاطي مباشر مع ازمة غير تقليدية لم يشهد المجتمع الاردني مثيلاً لها في السابق.
اللافت ان توقيت التحرك الملك يفتح باب التحليل حول المخاوف الحقيقية التي بدأت تسيطر على ذهنية صاحب القرار.
نماذج التغيير السابقة التي اجتاحت الدول العربية انحسرت فيها فكرة الخطر الذي يتهدد الدول بالتحرك الجمعي من أسفل الهرم الى راسه والذي يؤدي الى احداث خلل في تركيبة النظام ويساهم في انهياره، اما القراءة المنطقية التي تجعل من امر التغييرات لافتاً هو الاشارة الى وجود أكثر من خطر غير تقليدي وقد لا ينحسر فقط في التحرك الشعبي بل يتجاوزه الى دائرة النخبة المتسللة الى مفاصل التركيبة السياسية في الدولة الامر الذي استدعى هذا النمط من التحرك والمصارحة.
بالرغم من اجواء التغيير التي طغت عليها حالة من الترقب الايجابي الحذر الا ان عاملين رئيسيين استطاعا تبديد حالة التفاؤل وخلق اجواء سلبية اعادت معظم المتفائلين والمتشائمين الى مربع الصفر.
العامل الاول ارتبط بالأداء السياسي المخيب للآمال على مدار سنة كاملة من عهد رئيس الحكومة الاردنية عمر الرزاز، حيث باتت سياسته تُشكل حالة مقلقة على المستوى السياسي والبيروقراطي، من ضعف في الاداء انعكس على كافة قطاعات الدولة وتهاوي في هيبة المؤسسات وفعاليتها، ليفجر التعديل الحكومي لاحقاً كافة الاجواء الايجابية ويحولها الى اجواء سلبية بامتياز.
العامل الثاني هو التحول اللافت في التعاطي مع الحراكات الشعبية عبر قبضة امنية مبالغ بها تتجاوز فكرة استخدام القوة الى الرغبة في اظهارها، وهو الامر الذي يشكل في جوهره خطراً كبيراً مع تعاظم تحديات الانزلاقات الامنية والتداعيات غير المحسوبة التي يمكن ان تفاجيء الجميع.
لهذا لابد من الاقرار ان توفر النية للتغيير تستدعي ان يتم ذلك عبر استراتيجية متعددة المستويات، فمن المستحيل احداث اي تغيير حقيقي على الارض في ظل اداء حكومي مُقزم لا يلبي أدني الطموحات السياسية أو الشعبية.
. للأسف فان هذه السياسات ساهمت في تشكل مناخات تصعيدية تستدعي وقفة حقيقية واستيعاب ضرورة وجود خطة لإعادة بناء اركان الامن السياسي تحت قاعدة خلق حالة من اللحمة الوطنية في المجتمع، اي بمعنى اخر وجود مظلة حكومية قادرة على احتواء الاوضاع الحالية وانهاء حالة الاقصاء والشللية.
التحديات الاردنية لا يمكن حصرها اليوم، لكن لابد من التأكيد اولاً ان الاشارة الى اخطاء الاجهزة يحتاج ايضاً الى تحرك واع يعمل على تجاوز الاخطاء مع الابقاء على هيبة الاجهزة وفعالية عملها.
كذلك فان العبثية السياسية التي باتت ظاهرة في الاداء الحكومي هي أحد عوامل الخطر الذي يهدد الدولة بالتفكيك والانهيار، فلا يمكن ان يتم تسخيف المنصب العام وتسفيهه بطريقة تساهم في انهيار صورة وهيبة الدولة.
المطلوب اليوم مواجهة حالة الغضب المجتمعي وتفادي لحظة التفجير التي باتت كثير من العوامل تساهم بالوصول اليها. فمثلاِ لا يمكن استيعاب حجم الخلل في التضييق على مناطق حيوية مثل مناطق الشمال الاردني كاملاً بسبب عقم السياسات في التعاطي مع ملف مهم وحيوي مثل الملف السوري، كذلك لا يمكن قبول أن تصيغ نظرية المؤامرة مسار السياسية الخارجية للأردن.
التغيير المطلوب اليوم يستدعي تحركاً على المستويين الداخلي والاقليمي، عزل صواعق التفجير المجتمعي، وخلق حالة من اللحمة الوطنية والوصول الى نقطة تفعيل العلاقات مع الجوار بطريقة ايجابية يستفيد منها الاردنيون.
لهذا فالتغيير في التركيبة الامنية لابد ان يوازيه تكافؤ في الاداء الحكومي وقدرة عالية على الاقناع ومواجهة التحديات السياسية والمجتمعية والا فمن الصعب التفكير في نجاح خيار التغيير او القدرة على مواجهة التحديات القادمة سواء المتشكلة داخلياً او تلك الناتجة عن تطورات السياسة الاقليمية.
د.عامر السبايلة