لعب انتشار فايروس كورونا في صياغة نمط جديد في العلاقات الدولية التي طغى عليها الطابع الفردي والانانية السياسية حيث تبدلت الأولويات وأصبح التفكير منحصرا في حدود الدول الجغرافية وتأمين مصالحها واحتياجاتها.
المرحلة الثانية المؤثرة في طبيعة العلاقات الدولية تبدأ اليوم مع إطلاق برامج اللقاح الوطني المضاد لفايروس كورونا في الولايات المتحدة بريطانيا والاتحاد الأوروبي.
يمكن اعتبار بدء عملية اللقاح على انها الخطوة الاولى نحو الخروج من أزمة الوباء العالمي، COVID-19.، خصوصاً ان دول أخرى بدأت أيضًا في تطبيق برنامجها الخاص المعتمد على اللقاح الخاص بها والمطور محلياً مثل روسيا والصين.
ملامح المرحلة المقبلة تؤكد البدء في تخفيف القيود والإجراءات وهو الامر الذي يرتبط عملياً بنسب ارتفاع معدلات الحصول علي اللقاح.
لهذا من الطبيعي ان يرتفع سقف التوقعات الايجابية بشأن التعافي الاقتصادي وإعادة فتج وتشغيل القطاعات المعطلة.
لكن النظرة الواقعية تؤكد أن النتائج الإيجابية على الاقتصاد قد تكون محدودة للغاية في كثير من البلدان.
من وجهة نظر عملية لن تكون عملية التطعيم بأكملها سهلة ، على العكس تماماً ، فقد تكون صعبة ومعقدة للغاية ، حيث لن تتمكن العديد من البلدان من تحقيق نفس مستوى وأهداف التطعيم في نفس الوقت.
يُضاف الى ذلك ، ارتفاع مستوى المخاطر والتحديات بدءً من انتشار الاسواق السوداء التي تجد فيها الجماعات الإجرامية سوقاً واعداً جدًا وصولاً الى الاستغلال السياسي لبرامج اللقاح خصوصاً ان المطعوم وتوزيعه واعطاءه هو عبارة عن عملية ممنهجة تتحكم الحكومات في كافة تفاصيلها.
في الوقت نفسه ، هناك ايضاً تحدي على المستوى الدولي في مسألة إعادة تشكيل العلاقات والتحالفات على أساس قدرة الدول على توفير كميات كافية من اللقاح ، خاصة الدول المعتمدة اقتصاديًا وسياسيًا على حلفائها، حيث يمكن ان تتحول عملية توريد اللقاح الى أداة للابتزاز السياسي.
واذا كانت مرحلة انتشار الفايروس قد ارتبطت بتحديات امنية واجتماعية معقدة فان كثير من العقبات ستواجه عملية التطعيم أيضاً، مثل التأخيرات اللوجستية والإنتاجية ، أو أزمات أمنية حادة ، أو احتجاجات واسعة النطاق أو حتى معارضة شعبية لأخذ اللقاح.
تنطوي المرحلة القادمة أيضًا على مخاطر سياسية مختلفة يجب مراقبتها عن كثب في العام المقبل.
إذا اتفقنا على أن قد ولدت جميع أنواع المخاطر السياسية ، بما في ذلك مهددات الاستقرار من التعدي على القانون والنظام ومخاطر النزاهة والحوكمة وسيادة السياسات العرفية ، فانه من الطبيعي أن نتوقع زيادة في هذه في الفترات المقبلة.
لهذا، ستجد كثير من الحكومات نفسها مضطرة لتبنى استراتيجيات قصيرة الأمد ترتكز في جوهرها على المصالح الوطنية، أي التفكير الفردي ومعالجة الأوضاع الداخلية ضمن رؤية تتوافق مع شكل التحولات الداخلية والمشاكل التي خلقها وعمّقها انتشار فايروس كورونا.
منذ اندلاع الجائحة لم يكن التضامن والتعاون الدولي في أفضل حالاته، حيث انصبت الأولويات على المصالح الوطنية للدول، وهو ما قد يتعزز في مرحلة اللقاح حيث تسود النزعة الفردية والانانية نهج التطعيم الفردي.
على سبيل المثال ، أظهرت الحكومات: دعمًا متواضعًا او : للمبادرات التي تهدف لدعم حملة التطعيم في البلدان منخفضة الدخل.
. حيث قررت الصين والولايات المتحدة عدم تمويل المبادرة بينما فضلت التفاوض على اتفاقيات لقاح ثنائية مع الدول النامية. لذلك ، من المتوقع أن يلعب الجانب الفردي للدول أيضًا دوراً كبيراً في سياسة الاستثمار والتجارة في المرحلة المقبلة.
كذلك من المتوقع أن تزداد مخاطر وتحديات الاستقرار الداخلي ، حيث يتعين على البلدان اعتماد نهج تعويضي تجاه مواطنيها لمواجهة واحتواء الظروف الاقتصادية البائسة التي ولّدها الوباء، وهو الامر الذي لن يقتصر على الدول الفقيرة التي لا تملك موارد طبيعية ولكن أيضًا الدول النفطية التي ستعاني من انخفاض أسعار النفط وسيتعين عليها مواجهة ظروف مالية صعبة.
إذا اتفقنا أن عمل الاحتجاجات وأعمال الشغب والإضرابات كان محدودًا. فان علينا أن نتوقع احتمالية أن يتغير هذا في عام 2021. وقد يؤدي هذا أيضًا إلى اضطرابات سياسية مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بفايروس كورونا.
في النهاية قد تطول مرحلة التعافي الاقتصادي والمجتمعي، وقد تواجه الدول مخاطر جسيمة إذا فشلت في ضمان اللقاحات لمواطنيها بغض النظر عن سبب هذا الفشل سواء كان لأسباب مالية أو دبلوماسية أو حتى استراتيجية.
لهذا فان مواجهة التوترات الاجتماعية المتوقعة يتطلب التفكير في كيفية إدارة هذه المرحلة من اللقاح بعناية وبشكل مستقل ، وهذا يتطلب نهجًا أكثر كفاءة لمعالجة المشكلات واحتواء حالات الإحباط السياسي والاقتصادي الذي سببته وستعمقه الظروف الصعبة القادمة.
د.عامر السبايلة