انهت القمة الخليجية في السعودية في الخامس من كانون الثاني (يناير) الحظر السياسي والجغرافي المفروض على قطر منذ أكثر من ثلاثة سنوات.
بالرغم من حالة التفاؤل التي تسود حالياً، إلا أن التصنيف السياسي لهذه المرحلة يندرج تحت مسمى “مرحلة بناء الثقة” حيث يتوجب على دول الخليج محاولة إعادة الانخراط السياسي الايجابي وتجاوز معظم القضايا الإشكالية التي دفعت الدول العربية الأربع (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) إلى مقاطعة قطر.
توقيت المصالحة بحد ذاته مهم، حيث تُنجز المصالحة قبل أيام من التغيير في البيت الأبيض ، خاصة أن إدارة ترامب أصرت على ادراج خطوة المصالحة على انها احدى إنجازاتها في ملف الشرق الأوسط، حيث ظهر جوريد كوشنر بصورة الوسيط الذي مارس الضغوط على جميع الأطراف لقبول هذه التسوية.
هناك كثير من الأسئلة حول احتمالية ارتباط هذه الخطوة بأي تطورات إقليمية قادمة.
بالنظر الى كلمة ولي العهد السعودي التي أصر فيها على اتهام إيران باتهامات متعددة لا تقتصر على الأنشطة النووية بل تتجاوزها الى الصواريخ الباليستية مما يدل على أن القضية لم تعد تقتصر على الاتفاق النووي ولكن الترسانة الإيرانية بأكملها والسياسات العدوانية التي تتُهم ايران بانتهاجها في المنطقة.
في محاولة تحليل حجم المكاسب والمخاسر بالنسبة للأطراف الخليجية، يمكن اعتبار هذه الخطوة على أنها تساعد السعودية على وضع حداً للصراع داخل دول مجلس التعاون الخليجي في مرحلة تشهد فيها المنطقة تحولات كبيرة، حيث تعقد دول عربية عديدة معاهدات سلام فردية مع إسرائيل وتتغير فيها طبيعة السياسات الإقليمية.
والاهم ان هذه الخطوة تأتي قبل تغيير الإدارة في واشنطن وبالتالي تغلق احدى بوابات الضغوط الامريكية المستقبلية على الرياض فالنجاح في وضع حد للصراع سيجعل دول مجلس التعاون الخليجي تبدو وكأنها كتلة موحدة أمام المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة في حال فكرت إدارة بايدن في العودة إلى الاتفاق النووي او التعاطي مجدداً مع ايران.
بالنسبة للسعودية، فان المكاسب من هذه الخطوة قد تتجاوز ايضاً مسألة ايران، فظهور السعودية بصورة الدولة القادرة على انهاء هذه الخلافات قد يؤهلها لتمثيل الموقف العربي مرة أخرى في مسألة العلاقة العربية الاسرائيلية وإعادة طرح ما عُرف بمبادرة السلام العربية حتى لو كانت بصيغة جديدة معدلة.
وبالتالي قد تمنح هذه الخطوة السعودية فرصة للعب دور إقليمي رئيسي، خاصة إذا كانت هذه المصالحة داخل مجلس التعاون الخليجي ستدفع السعودية للعب دور تصالحي أوسع عندما يتعلق الأمر بسوريا وإعادتها إلى الجامعة العربية أو حتى إعادة العراق الى حواضنه العربية.
بالنسبة لقطر ، المتغيرات متعددة، أهمها تزايد الضغط الأمريكي بضرورة إعادة النظر بالعلاقة القطرية الإيرانية والتي يستفيد منها النظام الإيراني والامر نفسه قد ينطبق الى حد كبير على تركيا. من وجهة نظر عملية ، تحتاج قطر أيضاً إلى إعادة فتح حدودها ومجالها الجوي مع اقتراب موعد بطولة كأس العالم 2022 .
ومن الواضح أن المزايا التي اكتسبتها الدوحة من كونها وسيطًا بين الولايات المتحدة وطالبان لعبت دوراً كبيراً في زيادة منسوب التأثير القطري على واشنطن للوصول إلى هدف الدوحة الرئيسي بكسر الحصار وإعادة فتح الحدود. ومع ذلك ، لا يزال من المبكر التنبؤ في شكل وكيفية التعامل القطري مع القضايا المعقدة والملفات الشائكة مثل القاعدة العسكرية التركية أو حتى تحالفها السياسي مع تركيا والجماعات الإسلامية.
يثبت توقيت هذه المصالحة بوساطة أمريكية استثنائية أن هذه الخطوة ترتبط إلى حد كبير برغبة إدارة ترامب في إنجاز هذه الخطوة قبل مغادرتها البيت الابيض. وفي الوقت نفسه ، يظهر أن دول الخليج والولايات المتحدة ترغبان في وضع إيران على رأس أولويات المرحلة القادمة بغض النظر عن شكل وأولويات أجندة إدارة الرئيس بايدن.
قد لا يختلف أحد أن الرئيس ترامب يرغب بترك إرث معقد للغاية للرئيس بايدن خصوصاً عندما يتعلق الامر بإيران، لكن كثير من المراقبين يعتقدون ان سياسة التصعيد والركض الى الامام الإيرانية قد لا تساعد إدارة بايدن على التعاطي الإيجابي مع طهران. فقرار زيادة تخصيب اليورانيوم بنسبة 20٪ والرسائل العدوانية للتظاهرات العسكرية أو الهجمات ضد أهداف أمريكية في العراق سيجعل من الصعب على إدارة بايدن التعامل مع إيران وفقًا للاستراتيجية القديمة التي بُنى عليها الاتفاق النووي.
في الواقع تؤكد أوساط قريبة من إدارة بايدن أن طهران يجب ان تدرك أن مهاجمة أي هدف أمريكي لا يمكن اعتباره هجومًا ضد ترامب ولكن ضد الولايات المتحدة.
ومع ذلك ، ومن منظور الأمن القومي ، يصعب على أي إدارة أمريكية التعامل مع ايران اليوم وفقاً لمبادئ الاتفاق النووي السابق، خصوصاً في ظل تهاوي التيار المعتدل في الداخل الإيراني لصالح التيار المتشدد.
الاستراتيجية الأمريكية التي استهدفت إيران بُنيت على عدة مستويات بدءًا من العزلة الدبلوماسية وصولاً إلى العقوبات الاقتصادية والمالية وهدفت لاحتواء نفوذ طهران في لبنان وسوريا والعراق واستطاعت بالفعل خلق وضع صعب للغاية بالنسبة لإيران في الداخل.
لذلك سيكون من الواقعي جدًا لأي استراتيجية أمريكية مقبلة أن تستغل الوضع الحالي لتحقيق مكاسب مباشرة ، مما يعني أن العودة إلى الاتفاق النووي سيكون مهمة صعبة للغاية ، وهذا ما يفسر سبب الحديث الحالي بضرورة ان تتجاوز أي مفاوضات مستقبلية مع ايران المسألة النووية لتأخذ بعداً أكبر يشمل جميع القدرات العسكرية والسياسات الايرانية في المنطقة.
د.عامر السبايلة