من وجهة نظر واقعية، يصعُب إيجاد مساحة من التفاؤل عند الحديث عن محاولات الإصلاح السياسي، فالإنسان محكوم بما عايشه من تجارب وما عاصره من أحداث. واستهلاك الشعارات الإصلاحية وتبديد المحاولات التجديدية أدى الى خلق الواقع السلبي الذي يطغى اليوم على المشهد السياسي برمته. فلا يمكن أن يوجه اللوم لإنسان لا يرى جدية في التغيير او يُشكك بأي محاولة للتجديد، ولا أُذيع سراً أني شخصياً انتمي لنادي المتفائلين، لكني في الوقت نفسه آمنت دائماً بمقولة فيلسوف التغيير المجتمعي غرامتشي بأن تشاؤم العقل يواجه بتفاؤل الإرادة.
لكن يبقى السؤال الأبرز اليوم، ما هو الإصلاح المنشود الذي نطمح له؟ وما هي غايته الحقيقية؟
باعتقادي ان المساهمة في عملية التشخيص السياسي لما هو مطلوب في البعد المجتمعي لا يقل أهمية عن صياغة القوانين وتعديل التشريعات، فالغاية الحقيقية هي رفعة المواطن والمجتمع، وضمان حقوقه الشخصية وحياته الكريمة. هذه هي الغاية الحقيقية من الاصلاح والتجديد، فاستمرار أي مجتمع محكوم بقدرة التكييف والتغيير الذي تقوم به الأنظمة لضمان هذه الأمور الأساسية.
أما التشخيص الواقعي فيشير أن الكرة اليوم في ملعب أصحاب القرار، انتشال المجتمع من حالة السلبية السائدة يكون عبر القيام بحركة تصحيحية حقيقية تعطي أملاً لمملايين الشباب الأردني الذي يدفع اليوم ثمن سياسات طويلة من الاقصاء والتهميش.
لهذا فان أي وصفة إصلاحية تحتاج لعوامل رئيسية للنجاح مثل:
الإرادة والتصميم السياسي، المتابعة المستمرة للتنفيذ، وايقاع العقوبة العلنية والمباشرة على جهات التشتيت والتعطيل.
وحتى لا نغرق في تفاصيل القوانين والتشريعات التي قد لا تُحدث أثراً أو يلمس المواطن نتائجها، فانه لابد من الايمان بضرورة ان تتحدث الأفعال عن نفسها بعيداً عن شعارات التسويف ووعود التغيير.
ان التغيير إرادة ورغبة وان كان الهدف انجاحه فلابد أن يوازيه سياسة تُثبت جدية الرغبة وتوفر الإرادة ووجود القدرة على التنفيذ، من هنا لا بد من التذكير بأهمية الخطوات التالية:
١ الثقة المفقودة تحتاج لوصفة غير تقليدية فلا يمكن لأي منظومة ان تستمر في ظل عزوف وتشكيك الرأي العام بالنوايا والاهداف لهذا فان خلق المناخات الإصلاحية يوازي في أهميته اتخاذ أي قرارات او تعديلات.
٢ وصفة استعادة الثقة تحتاج لإجراءات سريعة ومباشرة تُشعر الناس بجدية التغيير وصدق نوايا الإصلاح. فمثلاً العودة عن كافة الإجراءات التي ساهمت في توسيع هوة الثقة وانخفاض منسوب المصداقية لدى الناس. من هنا لابد من ان يواكب الحديث عن التغيير إجراءات تؤكد الوصول الى قناعة بأن أدوات تأزيم لا يمكن أن تكون هي نفسها أدوات الحل.
٣ لا يمكن الحديث عن تجديد او اصلاح للمنظومة السياسية دون الحفاظ على الحريات العامة وحق التعبير والممارسات السياسية وهذا ما يمكن ان يشكل مدخل مهم لخلق مناخات إيجابية واجواء توافقية.
٤ ضمان الممارسات السياسية عبر تجريم التغول عليها بالقانون مما يشكل تحول نوعي في طبيعة التعامل مع المشهد السياسي، فلا يمكن إضاعة الوقت بالحديث عن قانون انتخاب لا يمكن ضمان عدم تشويهه عبر الممارسات، ولنتذكر أن أفضل قانون انتخاب قد يجلب اسوء مخرجات في حال تم التغول عليه، بينما قد يجلب أسوء قانون انتخاب نتائج جيدة في حال تم ضمان عدم استغلاله.
٥ المصالحة السياسية باعتبار ان النظام للجميع بغض النظر عن الرؤى والتوجهات. احتواء الجميع وانهاء حالات الخصومة بين النظام واي أرني سواء كان فرد و حزب أو تيار الخ، وذلك كبادرة حسن نية تعزز المصداقية وتعبد الطريق أمام انطلاق المرحلة الإصلاحية.
عامر السبايلة