كانت وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وتداعياتها على المشهدين الداخلي والإقليمي موضوع التحليل السياسي الذي طغى على الساحة بعد الحادث المفاجئ الذي غيب الرئيس ووزير خارجيته. على المستوى المحلي الإيراني، أطلقت وفاة رئيسي شرارة مرحلة من المنافسة السياسية الاستثنائية داخل محور المتشددين في إيران. رئيسي، الذي كان شخصية محورية في السياسة الإيرانية على مدى السنوات الخمس الماضية، ارتبط بمشروع الانتقال من الانفتاح على الغرب إلى التقارب مع الشرق. بناءً على ذلك، بدأت إعادة صياغة المشهد السياسي الإيراني، حتى أصبح الخيار الأبرز لخلافة مرشد الثورة الخامنئي. لهذا، فإن هذا الاختفاء المفاجئ سيدخل إيران بلا شك في مرحلة حساسة للغاية، حيث من المفترض أن تشهد الأيام الخمسين المقبلة انتخابات رئاسية جديدة، قد تقتضي إعادة هيكلة المشهد السياسي برمته في وقت ما زالت البلاد تواجه فيه تحديات داخلية خطيرة، بما في ذلك التهديدات الأمنية الناجمة عن العمليات الإرهابية المتكررة في الداخل الإيراني، وحالة واسعة من الإحباط الاقتصادي والاجتماعي، مع بقاء جذور احتجاجات العام الفائت حية وقابلة للتجدد.
على المستوى الإقليمي، تتصاعد تحديات إيران الإقليمية في النفوذ والتواجد، خصوصاً في الجبهات المفتوحة من غزة إلى سوريا ولبنان. معركة رفح لا تزال مستمرة، مما يحد بشكل كبير من خيارات حماس في المواجهة في غزة، ويحتمل أن يؤدي حسم المعركة في رفح إلى تصعيد على الجبهات الأخرى، أهمها حزب الله في جنوب لبنان. كذلك يواجه الوجود الإيراني في سوريا تحديات كبيرة، في وقت تحتاج فيه إيران إلى تركيز الكثير من اهتمامها على الداخل. يبقى ترتيب المشهد الداخلي الإيراني العنوان الأبرز للمرحلة القادمة، خصوصاً أن المنافسة المرتقبة ستكون بين التيارات الصقورية وضمن المحور المتشدد الواحد، مع اختفاء ملامح المنافسة التقليدية بين الإصلاحيين والمتشددين. مما يعني أن الشعارات المعادية للغرب والبيانات التي تتحدث عن استهداف إيران والمؤامرات التي تحاك ضدها قد تسيطر على المشهد السياسي، الأمر الذي يجعل من الصعب إحداث أي تغيير حقيقي في السياسات الإقليمية الإيرانية.
بينما تنقل حادثة مقتل الرئيس الإيراني الأنظار إلى المشهد الداخلي الإيراني، تبقى الحرب في غزة النقطة المركزية الأهم على الساحة الإقليمية. تستمر العملية الإسرائيلية التدريجية في رفح وتداعياتها بدأت بالظهور في مناطق أخرى، بما في ذلك شمال غزة وجباليا، والضفة الغربية، وحتى لبنان. سياسياً، تتزايد الضغوط على إسرائيل بشكل غير مسبوق، مع صدور مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع غالانت، والخطوة الجريئة باعتراف إسبانيا وإيرلندا والنرويج بالدولة الفلسطينية. على الرغم من أهمية هذه الخطوة الدبلوماسية التي تعيد القضية الفلسطينية إلى الواجهة وتمثل اختراقاً تاريخياً، إلا أن تأثيرها العملي على الأرض يبقى أمراً قابلاً للنقاش. الجميع اليوم عالق في معضلة الأولويات وكيفية وقف هذه الحرب وإرساء أسس السلام الإقليمي. بالإضافة إلى ذلك، قد تكون لهذه الخطوة تأثيرات سلبية على الأرض، خاصة على صعيد رد الفعل الإسرائيلي تجاه السلطة الفلسطينية والضفة الغربية. على سبيل المثال، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إلغاء سريان قانون “فك الارتباط” بالكامل في شمال الضفة الغربية المحتلة، مما يتيح للمستوطنين العودة إلى ثلاث مستوطنات تم إخلاؤها سابقاً وتقع بالقرب من مدينتي جنين ونابلس والتي انسحبت منها إسرائيل قبل 19 عاماً.
في ظل هذا المشهد، يبدأ العد التنازلي السريع لخروج الإدارة الأمريكية من المشهد السياسي مع اقتراب الانتخابات الرئاسية دون تحقيق أي إنجاز جدي أو ملموس، سواء بإيقاف الحرب في غزة أو تقديم حلول للجبهات الإقليمية المفتوحة. بين حلول الاستقرار العملية ومقترحات السلام النظرية، يبقى اهتمام الإدارة الأمريكية مرتبطاً بمحاولاتها إنجاز اتفاق سلام بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل. ومع استمرار الأوضاع بهذه الطريقة، قد لا يكون طرح السلام بهذه الصيغة والطريقة أولوية لأي من البلدين. أولويات إسرائيل مرتبطة بأمنها والجبهات المفتوحة التي تواجهها من غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا وحتى إيران، بينما تتركز اهتمامات السعودية على مصالحها الاستراتيجية، سواء بالحصول على المشروع النووي لأغراض سلمية أو على اتفاقيات الدفاع المشتركة مع الولايات المتحدة، بما في ذلك تدعيم المملكة لترسانتها الجوية بطائرات الـ F-35.
لهذا، فإن الدفع باتجاه السلام على الطريقة الأمريكية الحالية دون تقديم حلول ملموسة على الأرض قد يُنظر إليه على أنه خطوات سلام نظرية قد تزيد الوضع على الأرض سوءاً وتعقيداً.
د.عامر السبايلة
مقترح آخر:
كانت وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وتداعياتها على المشهدين الداخلي والإقليمي موضوع التحليل السياسي الذي طغى على الساحة بعد الحادث المفاجئ الذي غيب الرئيس ووزير خارجيته.
على المستوى المحلي الإيراني
أطلقت وفاة رئيسي شرارة مرحلة من المنافسة السياسية الاستثنائية داخل محور المتشددين في إيران. رئيسي، الذي كان شخصية محورية في السياسة الإيرانية على مدى السنوات الخمس الماضية، ارتبط بمشروع الانتقال من الانفتاح على الغرب إلى التقارب مع الشرق. بناءً على ذلك، بدأت إعادة صياغة المشهد السياسي الإيراني، حتى أصبح الخيار الأبرز لخلافة مرشد الثورة الخامنئي.
لهذا، فإن هذا الاختفاء المفاجئ سيدخل إيران بلا شك في مرحلة حساسة للغاية، حيث من المفترض أن تشهد الأيام الخمسين المقبلة انتخابات رئاسية جديدة، قد تقتضي إعادة هيكلة المشهد السياسي برمته في وقت ما زالت البلاد تواجه فيه تحديات داخلية خطيرة، بما في ذلك التهديدات الأمنية الناجمة عن العمليات الإرهابية المتكررة في الداخل الإيراني، وحالة واسعة من الإحباط الاقتصادي والاجتماعي، مع بقاء جذور احتجاجات العام الفائت حية وقابلة للتجدد.
على المستوى الإقليمي
تتصاعد تحديات إيران الإقليمية في النفوذ والتواجد، خصوصاً في الجبهات المفتوحة من غزة إلى سوريا ولبنان. معركة رفح لا تزال مستمرة، مما يحد بشكل كبير من خيارات حماس في المواجهة في غزة، ويحتمل أن يؤدي حسم المعركة في رفح إلى تصعيد على الجبهات الأخرى، أهمها حزب الله في جنوب لبنان. كذلك يواجه الوجود الإيراني في سوريا تحديات كبيرة، في وقت تحتاج فيه إيران إلى تركيز الكثير من اهتمامها على الداخل.
يبقى ترتيب المشهد الداخلي الإيراني العنوان الأبرز للمرحلة القادمة، خصوصاً أن المنافسة المرتقبة ستكون بين التيارات الصقورية وضمن المحور المتشدد الواحد، مع اختفاء ملامح المنافسة التقليدية بين الإصلاحيين والمتشددين. مما يعني أن الشعارات المعادية للغرب والبيانات التي تتحدث عن استهداف إيران والمؤامرات التي تحاك ضدها قد تسيطر على المشهد السياسي، الأمر الذي يجعل من الصعب إحداث أي تغيير حقيقي في السياسات الإقليمية الإيرانية.
التحديات المستمرة
بينما تنقل حادثة مقتل الرئيس الإيراني الأنظار إلى المشهد الداخلي الإيراني، تبقى الحرب في غزة النقطة المركزية الأهم على الساحة الإقليمية. تستمر العملية الإسرائيلية التدريجية في رفح وتداعياتها بدأت بالظهور في مناطق أخرى، بما في ذلك شمال غزة وجباليا، والضفة الغربية، وحتى لبنان. سياسياً، تتزايد الضغوط على إسرائيل بشكل غير مسبوق، مع صدور مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع غالانت، والخطوة الجريئة باعتراف إسبانيا وإيرلندا والنرويج بالدولة الفلسطينية.
على الرغم من أهمية هذه الخطوة الدبلوماسية التي تعيد القضية الفلسطينية إلى الواجهة وتمثل اختراقاً تاريخياً، إلا أن تأثيرها العملي على الأرض يبقى أمراً قابلاً للنقاش. الجميع اليوم عالق في معضلة الأولويات وكيفية وقف هذه الحرب وإرساء أسس السلام الإقليمي. بالإضافة إلى ذلك، قد تكون لهذه الخطوة تأثيرات سلبية على الأرض، خاصة على صعيد رد الفعل الإسرائيلي تجاه السلطة الفلسطينية والضفة الغربية. على سبيل المثال، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إلغاء سريان قانون “فك الارتباط” بالكامل في شمال الضفة الغربية المحتلة، مما يتيح للمستوطنين العودة إلى ثلاث مستوطنات تم إخلاؤها سابقاً وتقع بالقرب من مدينتي جنين ونابلس والتي انسحبت منها إسرائيل قبل 19 عاماً.
الإدارة الأمريكية والفرص المتبقية
في ظل هذا المشهد، يبدأ العد التنازلي السريع لخروج الإدارة الأمريكية من المشهد السياسي مع اقتراب الانتخابات الرئاسية دون تحقيق أي إنجاز جدي أو ملموس، سواء بإيقاف الحرب في غزة أو تقديم حلول للجبهات الإقليمية المفتوحة. بين حلول الاستقرار العملية ومقترحات السلام النظرية، يبقى اهتمام الإدارة الأمريكية مرتبطاً بمحاولاتها إنجاز اتفاق سلام بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل. ومع استمرار الأوضاع بهذه الطريقة، قد لا يكون طرح السلام بهذه الصيغة والطريقة أولوية لأي من البلدين. أولويات إسرائيل مرتبطة بأمنها والجبهات المفتوحة التي تواجهها من غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا وحتى إيران، بينما تتركز اهتمامات السعودية على مصالحها الاستراتيجية، سواء بالحصول على المشروع النووي لأغراض سلمية أو على اتفاقيات الدفاع المشتركة مع الولايات المتحدة، بما في ذلك تدعيم المملكة لترسانتها الجوية بطائرات الـ F-35.
لهذا، فإن الدفع باتجاه السلام على الطريقة الأمريكية الحالية دون تقديم حلول ملموسة على الأرض قد يُنظر إليه على أنه خطوات سلام نظرية قد تزيد الوضع على الأرض سوءاً وتعقيداً.
د.عامر السبايلة