22/6/2024
يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مصمم على أن يكون الخيار “المفروض” على إدارة بايدن التي سعت خلال الشهور الماضية لإضعافه، سواء من خلال فتح خطوط مباشرة مع منافسه غانتس، أو الضغط عليه من خلال استثمار الضغوط الداخلية والخارجية. لكن حتى الآن، ما زال نتنياهو يثبت قدرته على السير على حافة الهاوية.
استقالة غانتس من حكومة الحرب الإسرائيلية في العاشر من حزيران، كانت في جوهرها الحدث الذي كان يُفترض أن يؤسس لتغيير حقيقي في المشهد السياسي الإسرائيلي ، بإضعاف نتنياهو والاعتراف بفشله في إدارة الوضع الحالي، خاصة مع انتهاء مجلس الحرب بصيغته القديمة. قبل ذلك، جاء توقيت عملية تحرير أربعة رهائن بالقوة في اليوم الذي حدده غانتس للانسحاب من الحكومة الإسرائيلية، مما أدى إلى إضعاف ورقة انسحابه واحتواء تأثيرها ولو مؤقتًا. فمنذ اليوم الأول لهذه الحرب، كان نتنياهو يركز على رسم مشهدية استعادة الرهائن بالقوة، وحقق مبتغاه في اليوم الذي كان من المفترض أن تبدأ عملية الإطاحة به.
نجاة نتنياهو من هذه المحطة لا تعني انتهاء التحديات أمامه، بل على العكس تمامًا. فبالرغم من أن حكومته تتمتع بحالة استقرار على مستوى الأصوات المؤيدة في الكنيست، إلا أن طلب المعارضة بإجراء انتخابات في سبتمبر القادم قد يصعب تجاوزه، وقد يزيد من حجم الضغوط على نتنياهو شخصيًا، خصوصًا أمام الرأي العام الدولي، بحيث يضطر نتنياهو في النهاية للاستجابة لمسألة سيادة الديمقراطية والذهاب إلى الانتخابات. لكن في المرحلة الحالية، قد يدفع خلاص نتنياهو من التيار الوسطي في الحكومة إلى انتهاج سياسة إرضاء اليمين بالرغم من السقوف المحدودة أمامه فيما يتعلق بالمغالاة في إرضاء هذا التيار، خاصة مع تزايد القلق من فكرة استمرار الحرب المفتوحة دون أفق أو الانتقال إلى جبهات جديدة، والإصرار على رفض كل الحلول.
أما على المستوى الدولي، فقد تأتي الضغوط الحقيقية من الإدارة الأمريكية التي تستعد أيضًا لانتخابات قادمة، مما يعني أن مسألة الحرب في غزة وملفات الشرق الأوسط ستتحول حتمًا إلى مادة انتخابية مهمة، تسعى من خلالها هذه الإدارة لتسويق نفسها على أنها قادرة على تحقيق الكثير من الإنجازات، من وقف الحرب واحتواء الجبهات إلى إطلاق عملية السلام الإقليمي. لكن الجميع يعلم اليوم أن معظم الجبهات ما زالت مفتوحة، وأن أي عملية سلام إقليمي تحتاج إلى طرف إسرائيلي. وبالتالي، يعلم نتنياهو تمامًا أن إخراجه من المشهد في هذا التوقيت قد لا يكون في صالح أي صفقة على المستوى الإقليمي. لهذا، قد تتركز استراتيجيته في المرحلة القادمة على عدم رفض إجراء انتخابات في إسرائيل، لكن العمل على تأجيلها إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية مع التركيز بلا شك على مفاوضات مع المعارضة الإسرائيلية والسلطة القضائية للحصول على ضمانات بشأن مستقبله في حال الهزيمة.
مع ذلك، تبقى الأولويات الحالية أمام الحكومة الإسرائيلية متعددة، أهمها من وجهة نظر أمنية، إعادة رسم الجغرافيا الأمنية لمعبر رفح وكامل ممر فيلادلفيا، وهو ما بدأ يتضح مع تدمير الجانب الفلسطيني لمعبر رفح، مما يعني إخضاعه مستقبلاً لعملية إعادة تأهيل كاملة تخضع للترتيبات الأمنية الجديدة التي تسعى الحكومة الإسرائيلية لفرضها كجزء من إنهاء الحرب في غزة.
من وجهة نظر عملية، تحمل الشهور القادمة تحديات كبيرة للإدارة الأمريكية التي تعيد اليوم تقديم وصفة ما قبل السابع من أكتوبر “خطة السلام الإقليمي” كأحد الحلول العملية للوضع القائم، بالرغم من إقرار الجميع بأن حجم التعقيدات على الأرض، سواء في غزة أو الجبهات الأخرى، أكبر من أن تُحل عبر خطة واشنطن للسلام. فمنذ اللحظة التي تم فيها اتخاذ قرار الحرب في غزة، فقدت طروحات السلام الأمريكية بريقها في أعين جميع الأطراف. وبالتالي، فإن عدم القدرة على وقف الحرب في غزة عبر الأدوات الدبلوماسية ضمن صفقة إقليمية يعني ارتفاع مستوى الاشتباك على جبهة لبنان، وارتفاع احتمالية التصعيد، الأمر الذي سيبقي الإدارة الأمريكية في حالة تبعية كاملة لتطورات الأحداث، وبالتالي تجريدها أيضًا من أي قدرة للضغط باتجاه عملية تسوية أو سلام إقليمي، مما قد يجعلها مضطرة لاحقًا للتركيز على الجانب العسكري أكثر من الجانب السياسي، خاصة في حال الانتقال إلى حرب مفتوحة مع حزب الله، والتصعيد المتوقع في اليمن.
د.عامر السبايلة