سورية بين التقسيم والفوضى: سيناريوهات التدخل الإقليمي

 





10/3/2025

الأيام الأخيرة شهدت عودة سورية بقوة إلى قلب المشهد الإقليمي، ولكن هذه المرة ليس بسبب تصريحات إسرائيلية أو تحركات عسكرية، بل نتيجة اندلاع مواجهات ذات طابع إثني وديني تنذر بانفجار جديد للصراع، ما يجعل التدخل الخارجي في سورية أقرب إلى الحتمية. فإسرائيل تعيد إنتاج خطاب حماية الدروز، والولايات المتحدة تبرر وجودها تحت ذريعة حماية الأكراد، وهو ما يجعل سيناريو تقسيم سورية وفقا لخريطة نفوذ إقليمية ودولية أمرا واقعا أكثر من أي وقت مضى.

 

  لكن ما يجعل هذا السيناريو أكثر خطورة ليس فقط فكرة التقسيم بحد ذاتها، وإنما الفوضى التي سترافقه، حيث تظل هذه البيئة المثالية لازدهار الإرهاب والجريمة المنظمة. رغم الحديث المتكرر عن تراجع نفوذ الجماعات المسلحة، إلا أن المعلومات تؤكد تصاعد الأنشطة الإجرامية بشكل لافت، من تهريب السلاح والمخدرات إلى عمليات غسيل الأموال، ما يعزز مصالح القوى المسيطرة على مناطق النفوذ المختلفة ويدفعها لإدامة حالة عدم الاستقرار للحفاظ على مكاسبها.


بالتوازي مع ذلك، يجد تنظيم "داعش" في هذا الفراغ الأمني فرصة لإعادة ترتيب صفوفه وتوسيع نشاطه في مناطق تدمر والصحراء المحاذية، حيث تشير المعطيات إلى تصاعد قدراته العسكرية واللوجستية، في مؤشر على تبنيه إستراتيجية عملياتية جديدة. يسعى التنظيم إلى تعزيز نفوذه عبر عزل مناطق سيطرته عن باقي سورية، مع تكثيف ضرباته لخطوط المواصلات والطاقة، وهو ما يفاقم حالة الفوضى الأمنية. السيطرة على هذه المناطق لا تتعلق فقط بالبعد العسكري، وإنما تتيح أيضا التحكم بطرق التهريب بين العراق وسورية والأردن، مما يجعل التنظيم لاعبا أساسيا في تجارة السلاح والمخدرات في المنطقة.


هذه التطورات تحمل انعكاسات خطيرة على الأردن، الذي بات يواجه تهديدات متزايدة على حدوده الشمالية. تصاعد النشاطات الإرهابية والجريمة المنظمة يفرض واقعا أمنيا أكثر تعقيدا، مع تزايد محاولات التهريب وتطور أساليبها، سواء من حيث نوعية الأسلحة أو طبيعة المواجهات التي قد تُفرض على القوات الأردنية على الحدود. وعليه، يجد الأردن نفسه أمام تحد أمني غير مسبوق، يستدعي إعادة النظر في إستراتيجياته الأمنية لحماية حدوده وداخله من تداعيات اندلاع الفوضى في سورية.


على المستوى الإقليمي، فإن التصعيد لا يتوقف عند سورية، بل يمتد ليصل إلى إيران. التصريحات الأخيرة للرئيس الأميركي دونالد ترامب حول ضرورة امتثال إيران للمفاوضات، وإلا فإن الخيار العسكري سيظل مطروحا، تفتح الباب أمام إسرائيل لاستغلال هذه الأجواء لإعادة التصعيد على جبهات معلقة، بغطاء أميركي مباشر.

 

الجبهتان الأكثر ترجيحا في هذا السياق هما اليمن وإيران، حيث تسعى تل أبيب لتعزيز مكاسبها الإستراتيجية، لا سيما بعد أن تمكنت من تأمين محيطها الجغرافي المباشر في سورية ولبنان وغزة والضفة الغربية.


هذا التصعيد الإقليمي يجعل من تأمين الجغرافيا المحيطة أولوية إستراتيجية بالنسبة لإسرائيل، ويدفعها للعمل على جبهات أبعد، وفي مقدمتها إيران. لكن في المقابل، تدرك بعض الأطراف الإقليمية أن تعطيل هذا التوجه الإسرائيلي يمر عبر إعادة توتير الجبهات المحاذية، ما يجعل من سورية ولبنان والضفة الغربية ساحات مفتوحة لاحتمالات تصعيد جديدة تهدف إلى إبقاء إسرائيل منشغلة بأمنها المباشر ومنعها من التحرك بحرية نحو جبهات أبعد.


في ظل هذه التطورات والتصعيد الإقليمي المتزايد، يجد الأردن نفسه أمام واقع غير مسبوق، يفرض عليه تبني مقاربة أمنية أكثر ديناميكية واستباقية. سواء تعلق الأمر بتداعيات التحركات الإسرائيلية في الضفة الغربية أو بتنامي التهديدات القادمة من سورية، فإن المرحلة المقبلة تتطلب إعادة التفكير في عملية إدارة الأمن القومي. التكيف مع هذه التحديات سيكون عنوان التحدي الأبرز للأردن، سواء في مواجهة الإرهاب والجريمة المنظمة، أو حتى التداعيات السياسية المحتملة لهذا المشهد الإقليمي المضطرب.

د.عامر السبايلة