2/3/2025
حولات لافتة جداً تشهدها سورية في الأيام الأخيرة، حيث بدأ التحرك الإسرائيلي يأخذ منحى جديداً يتجاوز في جوهره الترتيبات الأمنية التقليدية في الجغرافيا المحاذية، إلى ترتيبات غير مسبوقة تُنذر بتحولات إستراتيجية قادمة.
تبنت إسرائيل بعد السابع من أكتوبر إستراتيجية يمكن تسميتها بـ"إعادة رسم الجغرافيا الأمنية"، وهي في جوهرها عملية تفكيك للجبهات المحاذية جغرافياً لها، وذلك كرد على مبدأ "وحدة الساحات" الذي تبنته إيران في السنوات الأخيرة. هذا ما يفسر التحرك الإسرائيلي المباشر لإعادة تشكيل الجغرافيا المحيطة بها مع كل تصعيد للحرب على هذه الجبهة.
طوال الأسابيع الماضية، عملت إسرائيل على تغيير الواقع الجغرافي لسورية، متذرعة بالاحتياجات الأمنية، والسيطرة على مناطق جبل الشيخ والجولان، وتوجيه ضربات للبنية التحتية العسكرية في سورية، بحيث يستحيل استخدامها في أي عمل عسكري مستقبلي.
لكن ما دعا إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتجاوز تأمين الجغرافيا، حيث أعلن عدم الانسحاب من المناطق العازلة، مشدداً على ضرورة نزع سلاح الدولة السورية في الجنوب، وعدم قبول وجود أي جهة مسلحة في محافظات درعا والسويداء والقنيطرة والجولان، وصولاً إلى جنوب العاصمة دمشق وريفها.
الأمر اللافت أيضاً هو حديث نتنياهو عن المكون الدرزي في سورية، وتهديده لدمشق في حال تعرض الدروز في الجنوب لأي خطر، مما يشير إلى انخراط إسرائيلي أعمق في المشهد السوري، وانتقال إسرائيلي من تطبيق إستراتيجية "إعادة رسم الجغرافيا" إلى "إعادة رسم الخريطة السياسية" لسورية.
هذا التطور يعيد فتح الملف السوري على مصراعيه، حيث يجد أحمد الشرع "الجولاني"، الذي يسعى جاهداً لترسيخ نفسه كرئيس لسورية عبر صياغة معادلات عربية وإقليمية، يجد نفسه أمام اختبار غير مسبوق، يضع سلطته على المحك في توقيت حساس. فهو يسعى لتثبيت نفوذه على المكونات السياسية والجغرافية السورية، بالتزامن مع تعثر قبوله دولياً، سواء على مستوى رفع العقوبات أو بناء الثقة، خاصة مع تصاعد النزعات الانفصالية داخل سورية.
في المقابل، ما يزال الموقف الأميركي غير واضح، لكنه على الأقل لا يبدو متحمساً لتبني سياسة الإدارة الأميركية السابقة بشكل كامل.
خيارات أحمد الشرع تبدو محدودة، في ظل تماهي إدارة الرئيس ترامب مع السياسة الإسرائيلية، حيث تبقى مسألة رفع العقوبات مرهونة بقرار واشنطن. وهذا يعني أن هامش المناورة أمام القيادة الجديدة في سورية قد يكون ضيقاً للغاية، وربما يصبح قبول الواقع الجديد أمراً مفروغاً منه. توقيت التحرك الإسرائيلي يأتي في ظل تغيّر معادلات توازن القوة في الإقليم، مع انكفاء إيران بعد ضرب أدوات محورها، وغياب أي تحالف إقليمي داعم، بما في ذلك تركيا، مما يجعل التعامل مع الأمر الواقع خياراً لا مفر منه بالنسبة للجولاني. البحث عن تفاهمات مع القوى السورية، والقبول بنماذج الحكم الذاتي، والتماهي مع التوجهات الأميركية، قد يدفع الشرع في النهاية إلى محاولة التعايش مع الواقع الجديد، وتعزيز نفوذه في المناطق التي يسيطر عليها عبر تفاهمات إقليمية، قد تفضي في النهاية إلى البحث عن اتفاقية سلام مع إسرائيل، والانضمام إلى "الاتفاق الإبراهيمي" كخيار وحيد يضمن له القبول الدولي ورفع العقوبات عن "سورية الجديدة".
ملامح التصعيد في المنطقة لا تقتصر على الجغرافيا السورية، إذ يشهد التصعيد في الضفة الغربية تطورات غير مسبوقة، حيث بلغت عمليات تغيير الواقع على الأرض وتفكيك المخيمات وتهجير السكان ذروتها، بما في ذلك محاولة عزل القدس عن الضفة الغربية والاستفراد بها لاحقاً. كذلك، فإن تعثر المرحلة الثانية من الاتفاق في غزة قد يدفع نحو تصعيد جديد. لكن الأهم أن الصراع في الإقليم تجاوز أهدافه العسكرية، ليبدأ مرحلة جديدة من محاولة فرض صيغ سياسية جديدة عبر الذرائع الأمنية.
د.عامر السبايلة