من الصعب لاي شخص اليوم الحديث عن الواقع العربي من باب التفاؤل. فالازمات تتسع و حجم الخلاف العربي العربي اليوم يصل لدرجة تجعل الحديث عن رأب الصدع العربي امراً شبه مستحيل.
بالرغم من حجم الاختلاف العربي و اتساع رقعة الازمات و الخلافات الا ان محاولة انجاح القمة العربية القادمة في عمان يجب ان تكون على رأس اجندة كثير من الدول. فبالرغم من اعتقاد الاغلبية بان هذه القمة كغيرها من القمم لن تخرج عن اطار البروتكول و قد تنتهي بالتوصيات التي لايأخذ بها، الا ان مناخات المنطقة تشير ان هذه القمة تحمل تحديات كبيرة و ان فشلها قد يشكل لواقع اخطر لاحقاً. فكثير من القمم العربية التي فشلت فتحت ابواب الجحيم في المنطقة، مثل قمة فاس التي عرضت فيها مبادرة السلام العربية السعودية، لقمة عمان ١٩٨٧ و ما تبعها من اندلاع للانتفاضة في الضفة الغربية، لموتمر بغداد ١٩٩٠ و غزو الكويت لاحقاَ و حتى مؤتمر بيروت ٢٠٠٢ و تجديد مبادرة السلام العربية و انهاء ياسر عرفات سياسياً الخ.
قمة عمان تأتي في وقت يفرض التغيير في السياسة العالمية واقعاً جديداً، يمكن الاصطلاح على تسميته بمرحلة التسويات الكبرى و اعادة صياغة المنظومة الشرق اوسطية. ضمن هذه التحولات يجب على الدول العربية التفكير جدياً في اعادة ترتيب البيت العربي و بناء قواعد تشاركية جديدة، ليس من باب الترف بل من باب درء الخطر القادم الذي بات يتهدد الجميع دون استثناء. لهذا فانه من الضروري البدء بصياغة استراتيجية مشتركة لمكافحة الارهاب و العمل على احياء دور الدول العربية في ظل تحول لافت في شكل المشهد الشرق اوسطي الذي باتت تتقاسمه قوة اقليمية و دولية جديدة.
ترتيب البيت العربي يبدأ عبر صيغة تفاهمية جديدة تعيد صياغة شكل الدور المصري و السعودي في ادارة الملفات العربية.
اعادة قراءة الماضي تشير الى ان الدول العربية يجب ان تدرك ان الاولولية اليوم هي لانهاء الازمات المشتعلة و التي ادت في النهاية الى خلق مسارح تنافسية افسحت المجال للقوى المختلفة بالظهور و تجذير نفوذها في المنطقة. فعلى سبيل المثال، منذ ازمة لبنان والعراق و سوريا و اليمن تحتج بعض الدول العربية على النفوذ الايراني الجديد لكنها تقدم عبر سياساتها الفرصة لايران لتجذير نفوذها و تغيير واقع المنطقة، لا بل ان بعض السياسات العربية قد ادت في النهاية الى الدفع باطراف كثيرة من مكونات المجتمعات العربية باتجاه البحث عن دعم و تأييد خارج الولاءات العربية سواء في ايران او تركيا.
الحقيقة انه لايمكن لهذه القمة ان تنجح دون ان تطال مسائل رئيسية، اهمها مسألة عودة سوريا الى الجامعة العربية و انهاء معضلة خروج سوريا من الحضن العربي، كذلك مسألة اليمن و حالة الاستنزاف التي باتت تشكلها المسألة اليمنية، و لايمكن كذلك الا القمة مع مسألة السلام بجدية خصوصاً بعد التحول اللافت في طبيعة تعاطي الادارة الامريكية مع الملف و التفرد الكامل لنتينياهو في صياغة المشهد السياسي مدعوماً وفقاً لحديث نيتنياهو برغبته بانجاز سلام اقليمي مع دول عربية الامر الذي يجعل من ملف السلام مع الفلسطينيين ملفاً هامشياً. بالاضافة الى مسألة المباركة الامريكية او في احسن الاحوال عدم الاكتراث الامريكي لسقوط خيار حل الدولتين، لهذا من الطبيعي ان يسأل الجميع عن كيف شكل حل الدولة الواحدة و حدودها الجغرافية خصوصاً ان تعزيز فكرة حل الدولة الواحدة يتزامن مع الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية مما يعني ان اسرائيل بعيدة كل البعد عن حل الدولة الواحدة.
التحديات الكبيرة اليوم تحتم على الجميع التعامل مع ملفات المنطقة بمسؤولية كبيرة و الادارك ان ضياع هذه الفرصة قد يكون العامل المؤسس لاتساع رقعة الازمات و دخول دول جديدة الى نادي الاضطرابات.
د.عامر السبايلة